يجب عقد اجتماع مصغر للمجموعة الاقتصادية لدراسة الوضع الجديد
نعود مرة أخرى للسؤال المطروح حاليًا، وهو: كيف يبدو مستقبل الاستثمارات العربية فى الإمبراطورية البريطانية فى حال الانسحاب من الاتحاد الأوروبى؟
واقع الحال يقول إن الاستثمارات العربية تأثرت مثل باقى الاستثمارات بشكل سلبى خلال الأسابيع الماضية، بسبب تراجع وتقلب أسعار أسهم بورصة لندن، والجنيه الإسترلينى، وأسعار العقارات، على ضوء المخاوف من نجاح المؤيدين للخروج من الاتحاد، غير أن هذا التأثر ما يزال ضعيفًا أو محدودًا نسبيًا، لكن وحتى فى حال حدوث الخروج، فإن بعض الخبراء يعتقدون أن رؤوس الأموال العربية لن تدير ظهرها لبريطانيا، ولن تتأثر بشكل يذكر، كون غالبيتها تشكل استثمارًا طويل الأجل فى عقارات فاخرة بالأحياء الغنية، أو فى مشاريع مشتركة تركز على البنية التحتية والطاقة، لكن هناك مخاوف بالتأكيد من أن كل الاستثمارات ورؤوس الأموال ستتأثر قطعًا بشكل واضح إذا خرجت بريطانيا، لأن الوضع سيكون غير مستقر، وعدم الاستقرار هو العدو الأول للاستثمار ورأس المال، فعدم الاستقرار وفترة «عدم اليقين» ستستمر لسنوات، وهذا سيضعف الاستثمارات القائمة، وسيؤدى كل هذا إلى خروج الأموال العربية وغيرها من بريطانيا.
لكن لكل أزمة وكارثة جانب إيجابى، فخروج بريطانيا يفتح باب الاجتهاد لدخولها فى مفاوضات تجارية جديدة مع دول عربية عديدة، فى مقدمتها دول الخليج، من أجل الدخول فى مشاريع جديدة، بعيدًا عن قيود الاتحاد الأوروبى وبيروقراطيته الشديدة، وقد تكون هناك- على ضوء ذلك- فرصة جديدة لتعزيز التجارة البريطانية مع دول الخليج وباقى الدول العربية التى تربطها علاقات تاريخية قديمة.
بالنسبة لمصر، فالسنوات الأخيرة تشهد تراجعًا فى الميزان التجارى، وهناك انخفاض للواردات المصرية من بريطانيا بنسبة كبيرة من 2.9 مليار دولار إلى 1.8 مليار، ومازالت بريطانيا تمثل أحد الشركاء التجاريين السبعة مع مصر، وضمن أكبر عشر دول تستثمر فى مصر، حيث يبلغ إجمالى حجم الاستثمارات البريطانية فى مصر نحو 5.3 مليار دولار.
هنا تبدو الضرورة- فى حالة الخروج- إلى استبدال اتفاق الشراكة المصرية مع الاتحاد الأوروبى باتفاقية تجارة ثنائية، بما يحقق مزايا للجانبين، خاصة مصر، رغم الإعفاءات الأوروبية.
إجمالًا، ما نتحدث عنه هو استباق لتفادى أى آثار سلبية بسبب التصويت البريطانى، لكن مازال أمامنا عامان، وهى فترة التفاوض وفقًا لاتفاقية برشلونة حتى تقع أى تغييرات كبيرة على مسار العلاقات الاقتصادية بين مصر وبريطانيا، وهو ما يؤكده السفير البريطانى فى القاهرة، فلن يحدث تغيير فورى، ولكن ربما فى العلاقات التجارية يحدث بعض التغيير، ولكن لا أحد يعرف ما الذى سيحدث.
جون كاسن يرى أن مصلحة بريطانيا الأساسية فى مصر لن تتغير، ومصلحة مصر فى بريطانيا لن تتغير، فمن الجيد لبريطانيا أن تكون مصر قوية. وحسب السفير البريطانى فالقرار ضخم، وهناك عدم يقين بشأنه، ويفرض تحديات على بريطانيا وعلى الاتحاد الأوروبى، ولا أحد يمكن أن يتوقع ما سيحدث.
القرار البريطانى- سواء كان محسوبًا أو غير محسوب- فهو «تسونامى» سياسى واقتصادى واجتماعى مهول، وله تداعياته، وعلينا فى العالم العربى ومصر أن ندرسه عبر فرق إدارة الأزمات، ونحدد أولويات التعامل معه، ونضع السيناريوهات الملائمة لتداعيات الخروج البريطانى من العباءة الأوروبية، وتأثيره على العلاقات المصرية البريطانية، والعربية البريطانية.
إدارة الشؤون الاقتصادية والسياسية فى الجامعة العربية عليها أن تبحث فى القرار وتدرسه، وتعلن توصياتها بشأن مستقبل العلاقات مع بريطانيا المنفردة.
الحكومة المصرية برئاسة المهندس شريف إسماعيل، رغم انشغالها فى معاركها وقضاياها الداخلية، مطالبة بعقد اجتماع مصغر للمجموعة الاقتصادية لدراسة الوضع الجديد فى الاتحاد الأوروبى وفى المملكة المتحدة.. فالمطلوب الاستعداد لعالم جديد متغير سياسيًا واقتصاديًا من الآن.