من ينكر آثار وتبعات الأزمة الاقتصادية العالمية، والنتائج السلبية المتوقعة لها، كمن قال عنه الشاعر:" يَتَصامَمُ عما يَسُوءُه وإن سَمِعَه فكان كأَنه لم يَسْمَعْ"، الوضع جد خطير، وكلمة السر هي التحرك العاجل والتحوط في مواجهة الأشهر ربما السنوات العجاف المقبلة، التي باتت معالمها واضحة، بعدما صارت معدلات التضخم العالمية في مستويات غير مسبوقة، وأسعار السلع الأساسية مصدر شكوى لدى الجميع، حتى المواطن الأوروبي، الذي لم يتعرض لهذه المشكلة على مدار نصف قرن.
آثار التضخم العالمي امتدت إلى الداخل خلال الأشهر الماضية، وسوف تواصل طريقها خلال الفترات المقبلة، بصورة أشد قسوة، تتعرض معها الطبقات الفقيرة لمزيد من الغلاء، ومزيد من التعثر، نتيجة انخفاض مستويات الدخول، لذلك بات مهماً أن نسارع إلى استباق هذه النتائج، والسيناريو الأشد خطورة، المنتظرة في النصف الثاني من العام الجاري، خاصة مع رفع أسعار الفائدة المستمر على الدولار الأمريكي، وما يستتبع هذا الإجراء من هبوط لأسواق المال على مستوي العالم، فالمستثمر الذى يبحث عن أرباح في البورصة سوف يتجه إلى الربح المضمون والفوائد المحسوبة، دون مخاطرة أو مقامرة، خاصة أن البورصات في الفترة المقبلة لن تحمل إغراءات أو مكاسب كما هو المعتاد.
من يتحدث عن حلول جذرية وقاطعة للأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيراتها المحلية على الاقتصاد، فهذا يدخل في إطار "الهبد" وحالة المغالاة التي تخلقها السوشيال ميديا على كل المستويات، فالمشكلة ليست لها حلول قاطعة، ولن تختفي بمجرد اتباع إجراءات أو قرارات بعينها، والسبب عالمية الأزمة وتعدد أبعادها، وارتباطها بمكونات وقضايا معقدة ومتشابكة، لذلك على الكل أن يحاول دون ادعاء امتلاك الحلول أو وصفة النجاة من تسونامي الأزمة الاقتصادية العالمية.
الحلول تبدأ من التخطيط الجيد والتحوط للأزمة، ومجاراة الأمواج والتفاعل معها قبل أن تكسر السفينة، فالاعتراف بالمشكلة والإصلاح الحقيقي دون الانتظار المكلف، فالوضع لم يعد يحتمل، وليس بمقدورنا استيعاب تبعاته القاسية، لذلك يجب أن نتحرك في أسرع وقت ممكن، ولتكن البداية من الوعي وإعلام الناس بحجم الأزمة، وما يدور حول العالم، والمشكلات المترتبة عليها، والآثار المستقبلية المنتظرة، والسلع والمنتجات التي ستختفي من الأسواق أو يقل إنتاجاها، فهذا طريق يجب أن نسلكه أولاً قبل اتخاذ أي إجراءات فنية.
الرئيس السيسي أوصي الحكومة في لقاء الأسرة المصرية قبل نهاية شهر رمضان الماضي بمؤتمر صحفي عالمي لشرح تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وتبعاتها والإجراءات المنتظرة من الحكومة للتخفيف من آثارها، وخطة التحوط التي سيتم اتباعها للنجاة بأقل الخسائر، لذلك بات مهماً أن تسارع الحكومة لتجهيز هذا المؤتمر، وتدعيمه بالبيانات والنتائج، والأرقام الصحيحة، التي يتم البناء والتخطيط عليها للفترة المقبلة، وتخطيط حملات التوعية في وسائل الإعلام المختلفة، التي تستهدف بالأساس التسويق الاجتماعي لفكرة ترشيد الاستهلاك أو تقليله على النحو الأصوب.
يخدعنا كل من يروج لفكرة انخفاض الأسعار في الفترة المقبلة والسيطرة عليها بصورة كاملة، فهذا لن يحدث ارتباطاً بمكونات الإنتاج والمواد الخام، التي ارتفعت محلياً وعالمياً بفعل التضخم، فهناك بعض السلع سوف تشهد ارتفاعات قياسية، والحل الوحيد أن نستبدلها بالمنتجات المحلية، حتى وإن كانت بجودة أقل، أو الامتناع عن شرائها لتواجه الركود الممتد، وفي هذه الحالة سوف يتحكم في تسعيرها القانون الطبيعي للعرض والطلب، لذلك أنصح المستهلك بأن السلعة التي لم يعد بمقدوره اقتنائها فعليه أن يمتنع عنها أو يبحث عن بديل محلي لها، أو يقلل استهلاكه بصوره تتناسب مع حجم دخله.
جزء من حل الأزمة التخلي عن حالة الفوضى التي تخلقها السوشيال ميديا، والحلول المعلبة التي يقدمها البعض، التي تقوم بالأساس على منطق نفعي أو فلسفة أنانية تبحث عن المكاسب والأدوات الاستثمارية الأكثر جذباً في وقت الأزمة، فهذه ليست حلول بل متاجرة، والمتاجرة بالأزمة أبداً لن تخلق حلول، أو تقودنا إلى النتائج الإيجابية المرجوة، بل ستكرس لفكر الجشع والطمع الذي يستهدف مصلحة الفرد لا المجموع، في حين أن المشكلة أعمق وأكبر من ذلك بكثير، نحن فقط نحتاج إلى العمل بمعدلات أكبر وأسرع، وأن نقلل استهلاكنا، وندعم المنتج المحلي ونقلل المستورد، ونضع خطة طويلة الأمد للتقشف وتقليل النفقات، سواء على مستوى الأفراد أو الحكومة، حتى نتجاوز هذا الطوفان المدمر، الذى يجتاح العالم ولا نعرف متي يتوقف.