طفت ظاهرة "المستريح" على السطح من جديد، تلك الظاهرة التى تعد "القديم - الجديد" حيث السيناريو واحد مع اختلاف الأبطال دون أن يتعظ أحد، لنجد بين الحين والأخر نصابين جدد وضحايا كُثر بحكايات مثيرة ومأساوية، وآخرها قصة مستريح المواشى فى أسوان، ليكون المجتمع أمام تحدى يجب مواجهته، لماذا يبتعد البسطاء خاصة في الريف عن البنوك في ظل أزمة ثقة تسمح لهذا النصاب أن يلعب على ضحاياه بحرمة فوائد البنوك، وتسمح أيضا له باستغلال أحلام الغلابة نحو مستقبل أفضل مستخدما وسائل جذب وإغراءات مزيفة.
فالبداية تكون باستغلال أزمة الثقة عن طريق "زغللة العين" بعرض نسب أرباح عالية تصل لـ50% بجانب قيامه بإجراءات بناء ثقة بلغة يفهمها هؤلاء البسطاء، خلاف استغلاله سيرته أو سمعة أهله، أو طبيعة وظيفته، أو تواجده في الخارج، ثم يقوم بإقناع الناس بقدرته على توظيفهم، أو التجارة فى أموالهم، وخاصة الطماع منهم، مستخدما عدد من الحيل والأساليب التي تطمس على قلوب وعقول ضحاياه، ونموذجا، اللجوء إلى تجنيد أناس يشيعون أنهم يحصلون على فوائدهم بانتظام وبنسب عالية، وأناس أخرين يتحدثون عن أمانته وشطارته ويسردون حكايات بطولية حتى تقع الضحية فى شباك النصاب، ليصل الأمر إلى أن هناك أناس يقومون بالترجى والبحث عن واسطة لقبول "المستريح" أخذ أموال منهم.
بل أن العجيب أن هذا النصاب لم يكتف بتجنيد مندوبين، إنما يقوم بالاستعانة بنصابين معه فى لعب دور رجال دين، لإقناع الأهالى أن الاستثمار فى البنوك حرام شرعا، وأن تسعة أعشار الرزق فى التجارة، وبالتالى أرباحهم معه حلال، وفرصة لا تعوض، ومتخذا من الكذب شعار له في كافة أحاديثه ووسائله مختلقا قصص وهمية وحكايات ما أنزل الله بها من سلطان بحيث يكون همه اللعب على آلام البسطاء، وبيع أحلام وردية ومستقبلا مزيفا.
لذلك فأعتقد، أن تنامى هذه الآفة يتحملها المواطن في المقام الأول، لأنه لو حكًم عقله والمنطق وخاصة في قضية ارتفاع الفوائد لعرف أن هذا نصب واحتيال، وأن هذه سوق سوداء تحكمها الغش والخداع، وأيضا تتحمل الدولة جزءا من المسئولية، فلابد من تغير فى التشريعات وتغليظ العقوبات في مثل هذه الجرائم، بحيث تصل إلى المؤبد، حتى يعرف من يرتكب هذه الجرائم أنه لن ينعم بهذه الأموال المحرمة التى نهبها.
وأخيرا.. فإن طرق المواجهة تبدأ الإعلام من خلال التوعية بكافة وسائله للعمل على زيادة التوعية، وحث المواطنين على الاستثمار الآمن فى أموالهم وتسليط الضوء على الظاهرة ليدرك الناس خطورتها، خلاف أنه من الضرورى إيفاد باحثين اجتماعيين يلتقون الناس ويتحدثون معهم بلغتهم عن خطورة هذا الأمر، ويكشفوا الأسباب لتتمكن الدولة من المواجهة، وكذلك على المؤسسات الدينية عدم السماح بتجار الدين من استغلال قضية الربا وفوائد البنوك، لنمنع جميعا فى النهاية انتشار مثل هذه الظواهر التى تخرب البيوت وتهدد سلامة المجتمع بسبب غياب الوعى في ظل ثقافة الطمع.