تحتوى معظم كتب التراث على فصول تسمى بـ أخبار الحمقى والمغفلين، وهى تأتى للتسلية والضحك فى المجالس الأدبية ومجالس سادة القوم من ملوك وأمراء، وأبطال هذه القصص عادة ما يكون بهم حمق فيرتكبون الخطأ نفسه مرارا وتكرارا، وفى ظنى أن ما يحدث فى قصص المستريح فى عصرنا الحالى تدخل فى إطار هذه الحكايات.
إنها قصة نصب حدثت مليون مرة ولا تنتهى أبدا، دائما هناك نصاب وهناك طماع، النصاب يحكى القصة نفسها، والطماع سمع فى القنوات وسمع من الناس وقرأ فى الأخبار أن الحكاية "نصباية" لكنه لم يتعظ ولم يتعلم شيئا، يمد يده فى جيبه ويخرج آخر قرش يمتلكه، ويعطيه للنصاب الذى يهرب أو يلقى القبض عليه ويعلن إفلاسه، والطماع يبكى ويندب، ثم تتكرر الحكاية.
ذات مرة اقتربت من إحدى هذه القصص، بمعنى أن مجموعة ممن أعرفهم وقعوا في يد نصاب، بسهولة جدا أعطوه ما يملكون مع أن هذه الأموال جاءت بالشقاء والغربة والألم، لكنهم دفعوها بسهولة كبيرة، لم تكن نقودا قليلة، حتى أننى تعجبت كيف لإنسان يملك هذه النقود الكثيرة (بمقياس قريتنا) يطمع في المزيد، ما الذى سيفعله بالمزيد، لكنه الطمع الذى يبدد كل شيء.
كلما سمعت عن قصة "مستريح" تساءلت: أين ذهب العقل؟ أليس من رجل رشيد يأخذ على أيدى هؤلاء، يمنعهم من حماقتهم؟ وأحاول دائما أن أتخيل الحيلة التي يسوقها النصاب وكيف يحيكها، لكن الغريب أن هذا النصاب عادة لا يملك الذكاء الكافى، إنه أحمق مثلهم، فكيف ينخدعون بحيلته المعادة المكررة.
إنها مشكلة عقل ورؤية، وذلك يزعج جدا، لأن مفاده أننا نعيد أفكارنا حتى المؤلم منها، وأننا نفقد ذاكرتنا وندون حكايتنا بصورة مستمرة في فصل "أخبار الحمقى والمغفلين".