وهم غريب أن نفترض أن الجمال هو الخير... ليو تولستوى
يبدو أن نجوما كثيرين اتفقوا مع الروائى الروسى الشهير هذا العام، وأدركوا أن المثالية الدائمة لا تصنع مجدا دائما، وأن الممثل يجب أن يتلون كالحرباء فى كل عمل فنى جديد ، فراهن بعضهم على الشر هذا العام، ليلعبوا أدوارا لم يعتادوا أن يظهروا بها، لأنها غالبا لا تلقى قبولا لدى الجمهور، فالجمهور مستعد دوما للتعاطف مع الخير، مع البطل الطيب الباحث عن الحقيقة،المظلوم أحيانا، أو الغاضب للثأر أحيانا أخرى، قد يقبلون منه بعض التجاوزات فى سبيل الوصول للحقيقة ويتغاضون عنها، ولكنهم يظلوا على يقين أنهم إلى جانب الخير الذى يجب أن يقفوا بصفه -ولو افتراضيا- ليتحقق له النصر ببركة دعائهم، ومشاهدتهم للمسلسل.
يحيى الفخرانى ويسرا أول من قرروا خلع عباءة المثالية ، أن يظهروا كبشر عاديين يُخطئون معظم الوقت ، ويصيبون بعضه ، أن يُوصموا لأول مرة بالخطيئة ، حتى أن "الفخرانى" تجاوز حدود البشر الخطائين ، وقدم دور الشيطان ذاته يوسوس للجميع ببراعة .
أما النجم الثالث، صحيح أنه لم يرتد يوما عباءة المثالية من قبل، ولا يمتلك -ولو كتيبا صغيرا- من مجلدات المجموعة الكاملة للأدوار المثالية لنجمى الدراما المصرية يحيى الفخرانى ويسرا ، ولكنه قرر أن يخاطر مبكرا بدور يدرك جيدا أنه من الصعب إن لم يكن مستحيلا أن يلقى تعاطفا أو قبولا لدى الجمهور كيف يلقى مختلا، مجرما، قاتلا كعيسى السيوفى قبولا جماهيريا، مخاطرة كبيرة ، فالجمهور دوما يحجز مقعده الأثير إلى جانب المجنى عليه، يطلق دعواته، وأمنياته لتحفظ نجمه المظلوم من مؤمرات عيسى، وأمثاله، ما يزيد عن عشرين حلقة نسج "نصار" خلالها خيوط شخصية عيسى بدقة، وإحكام، ومحبة، ليطل من أول مشهد بشخص تتوقف قليلا أمامه.. تتأمله.. تدرك حينها أن روحا شريرة من "7 أرواح" تتلبس إياد نصار، روحا مختلة نفسيا رسم "نصار" ملامحها انطلاقا من هذا الخلل، ليجعل من عيسى نجما رغم ما تحمله الشخصية من كراهية، وشر، ودهاء عبر عنهم جميعا بإتقان مُلفت، وموهبة طاغية، موهبة لم تكن خافية أبدا منذ طلته الأولى على الدراما المصرية بدور حسن البنا فى مسلسل "الجماعة" كان نجم العمل الأول، ليس لأنه يلعب الدور الرئيسى كمؤسس للجماعة، ولكن بأدائه الرائع، أداء له بريق خاص يميزه الكثير من التفاصيل التى يجيد "نصار" العناية بها، وظهر صمت عيسى قبل كلماته، فى نظرات عينيه، فى تحوله من قمة الثورة إلى الهدوء الحذر ، انتقال هادئ تغلفه ابتسامة قلما فارقت وجهه حتى وإن كان حديثه يغوص فى بحور دماء المتهم الرئيسى فى إراقتها هو عيسى ذاته ، بحسابات المنطق ، والعقل لا يجب أن تثير شخصية عيسى إلا الكراهية ، ولكن أداء إياد نصار أضفى جاذبية عجيبة على الشخصية تجبرك على الانحناء إعجابا بأداء راقى غير مفتعل أداء منح الشخصية بريقا جعل من عيسى نجما يزداد توهجا وتألقا يوما بعد يوم حتى وإن سطعت الشمس ، فعندما اجتمع بالنجم خالد النبوى أو "معتز الفرماوى" فى المواجهة الأولى بينهما تألق نصار أمام النبوى ، وقد يرى البعض هذا أمرا طبيعيا ، ولكن الحقيقة أن "النبوى" شمسا كاشفة يتلاشى أمامه نجوم كبار فتظهر ضآلة موهبتهم الحقيقة أمام ادائه، أما إياد نصار فتحدى قوانين الطبيعة، وظل بأدائه قمرا مضيئا ساطعا إلى جوار شمس "النبوى" المتوهجة فى أول مشهد جمعهما، تمنيت بعده لو أن المسلسل بأكمله دار بينهما فقط، وكفى بهما نعمة.