لا أدرى ما يمنع الحكومة من الرد بقوة على التطاول والتحريض المتواصل من المنظمات غير الحكومية الدولية ضد مصر فى قضية مقتل الباحث الإيطالى جوليو ريجينى، ولاسيما وأن كل الشواهد تؤكد أن (اختفاء الشاب الإيطالى، وطريقة تعذيبه ، وقتله ، ومكان وتوقيت إلقاء جثته) جميعها تحمل دلالات، تؤكد أن منفذ الجريمة أراد بها توريط مصر، وإفساد علاقتها بإيطاليا والاتحاد الأوروبى .
ولعل ما يدعو إلى الحزن ، أن الردود الضعيفة من الحكومة المصرية فيما يخص القضية ، قد منح الفرصة للعشرات من المنظمات الدولية لاستغلال القضية كـ شماعة للتحريض ضد مصر ، وآخرها منظمة ( العفو الدولية ) التى حثت وزير الخارجية الإيطالى منذ أيام على الدعوة لتحقيق دولى للكشف عن ملابسات مقتل ريجينى ، متهمة مصر بأنها لم تحرز تقدما فى القضية ، وأنها لا ترغب فى التعاون الجاد مع التحقيقات الإيطالية ، مشيده بالموقف الايطالى استدعاء سفيرها فى القاهرة .
ولعل ما يدعو إلى الاستغراب هنا ، أن هناك العشرات من النقاط فى القضية ، التى لم تسترع انتباه الحكومة ، لم يتم استغلالها ، والرد بها على ما تتعرض له مصر من هجوم ، على الرغم أن جميعها تصب فى صالح مصر .
ولعل أول تلك النقاط هى، أنه حتى الآن لم يسأل أحد (من يكون ريجينى، وما أهميته؟) حتى تقوم إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبى بشن مثل هذه الحملة على مصر من أجله، على الرغم من أن عشرات الطليان والأوربيين يموتون يوميا فى العديد من دول العالم، ولا يحرك موتهم ساكنا لإيطاليا أو لأوروبا، وان الغموض الذى يحيط بشخصية (ريجينى) يعنى انه ليس طالبا أو باحثا عاديا، ولكنه شخصية على درجة كبيرة من الأهمية، ولا تريد السلطات الإيطالية الإعلان عن حقيقتها ، وهو ما جعلها تنتفض بكامل مؤسساتها لمقتله .
لو طبقنا قاعدة البحث عن الجانى فى مثل هذه القضايا ، والتى يتم بناؤها دائما على (الدافع من وراء الجريمة، والمستفيد منها) سنجد أنه لا دافع ولا فائدة لأجهزة الأمن المصرية من قتل ريجينى، كما انه لا يوجد جهاز أمنى فى العالم أيا كانت ممارساته ، من الممكن أن يقوم بجريمة تعذيب وقتل مثلما تم مع الشاب الإيطالى ، ويقوم بإلقاء جثته بمثل هذا الغباء، فى (طريق عام) وعليها كل هذا الكم من آثار التعذيب، إلا إذا كان من قام بالجريمة يريد إلصاقها بمصر .
كما أن هناك عقيدة أمنية معروفة لدى كل اجهزة الأمن فى العالم ، تقول : إنه لا يمكن لجهاز أمنى القيام بجريمة داخل حدود دولته ، إلا وكان قد أعد سيناريو الخروج منها مسبقا ، وهو ما يعنى أن من ترك جثة ( ريجينى) فى ذلك المكان وبذلك الشكل ، أراد إلصاق التهمة بمصر .
كما غاب عن الحكومة المصرية ايضا (التوقيت) القاتل الذى تم فيه إلقاء جثة ( ريجينى) والذى جاء مواكبا لزيارة وفد إيطالى رفيع المستوى إلى مصر ، وكأن الجانى تعمد أن يعود الوفد إلى بلاده وهو ناقم على مصر حكومة وشعبا، نتيجة للجريمة .
أعتقد أن القضية تحمل كثيرا من الشواهد التى تجعل الجانب الحكومة المصرية ترد بقوة على كل متطاول ومحرض ضد مصر ، بدلا من الردود الضعيفة التى قد تضعنا أمام العالم فى صورة المتستر على مقتل شاب ، مازال وجوده وعلاقاته واتصالاته داخل مصر تحمل غموضا قد تكشف عنه الأيام.