تحديث البيانات أحد الأدوات المهمة التي يمكن من خلالها رسم خريطة صحيحة لكل ما يهم المواطن، لذلك أتفق مع كل الإجراءات التي تتخذها الحكومة مع التحول الرقمي، وكذلك مؤسسات القطاع الخاص، والبنوك للوصول إلى بيانات واضحة ودقيقة تخدم التخطيط لهذا البلد، لكن يجب أن ندرك أمر في غاية الأهمية والخطورة عند إجراء هذه التحديثات، يرتبط بوضع هامش للخطأ والحالات الاستثنائية التي تشذ عن القاعدة العامة.
من حق وزارة التموين تحديث البيانات الخاصة بالمستحقين للدعم، وتنقيتها بين الحين والآخر، وإن كنت لا أتفق مع التوقيت، خاصة أن العالم يعيش أزمة تضخم وارتفاع أسعار، وتلجأ الحكومات إلى زيادة الحدود الدنيا للأجور، ورفع معدلات الفائدة، وتوسيع قواعد الدعم والحماية الاجتماعية، وهذه إجراءات تحدث بالفعل في مصر، فكان أولى أن ننتظر في هذه التحديثات حتى تتكشف ملامح الأزمة، إلا أنه ما دامت الوزارة اتخذت القرار فلا بأس، ولكن هناك مجموعة أسئلة مشروعة لها علاقة بالحالات الاستثنائية في قضية تحديث البيانات، يجب طرحها بشفافية مطلقة من أجل مصلحة المواطن.
تشترط وزارة التموين والتجارة الداخلية أن يكون تحديث البيانات من خلال خط "موبايل" مملوك لمستحق الدعم ومسجل باسمه لدى الشركة الاتصالات، حتي يتم من خلاله إرسال أي إشعارات أو بيانات تخص المستفيد أو أسرته، وهذا كلام نظرياً جيد وقابل للتطبيق لكن على أرض الواقع تعترضه العديد من المعوقات، أولها أن هناك فقراء لا يمتلكون خط موبايل وليس بمقدورهم تحمل تكلفة إضافية لتوفير ثمن الخط الذى أصبح في حدود 150 إلى 200 جنيه لدى أغلب الشركات، وجهاز موبايل لن يقل بأي حال عن 300 جنيه، بالإضافة إلي التكلفة المرتبطة بهذه الخدمة شهرياً، مثل شحن الرصيد، وإلا سيكون البديل إيقاف الخط، فهل تعرضت الوزارة لهذه القضية؟!
هل وضع قرار وزير التموين إجراءات خاصة للأرامل والأيتام ومن يعيشون بمفردهم دون عائل ضمن خطة تحديث البيانات، ومدى قدرة هؤلاء المادية على شراء خط موبايل وتحمل شحنه شهرياً؟ هل تعرف وزارة التموين أن نسبة الأمية في مصر وفق آخر تعداد سكاني كانت 25.8%، بمعنى أن هناك حوالي 26 مليون مواطن لا يجيدون القراءة والكتابة، ولن يتمكنوا من متابعة رسائل التموين على الموبايل حتى لو استطاعوا توفير ثمنه؟!
ماذا لو لم تتمكن الفئة غير القادرة من تحديث بياناتها أو شراء موبايل، هل سيتم حذفها من بطاقات التموين؟ وهل ندرك أن هذه الفئة هي الأحق والأولى بالاهتمام والرعاية، وتستحق الدعم والمساندة من جانب الحكومة؟ ولماذا لم تفكر وزارة التموين في حلول مبتكرة لهذه الفئات كأن تنفذ بروتوكول تعاون مع شركات المحمول العاملة في مصر لتوفير خطوط مجانية للفئات الأولى بالرعاية من أصحاب البطاقات ومن لا يمتلكون خط تليفون، على أن تتحمل الشركات هذه التكلفة، ضمن أنشطتها التوسعية وخدمة العملاء الجدد.
أتمنى أن تجد كل التساؤلات السابقة إجابات واضحة من وزارة التموين، ولا يتم التعامل معها على طريقة "الناس عارفه كل حاجة" أو "الموبايلات مع الجميع"، لأن المؤكد والمنطقي أن هناك حالات ليست قليلة سوف تتضرر إذا ما ترتب على هذا التحديث قرارات من شأنها سحب الدعم، لذلك على متخذ القرار أن يضع في اعتباره أولاً مصلحة الأرامل والمساكين والمعدمين، خاصة أن هؤلاء أحق بالدعم من أي شخص آخر.