خلق وسائط إلكترونية يمكن للناس اللجوء إليها لإنهاء الخدمات والإجراءات الإدارية الخاصة بتحديث البيانات وتجديد الاشتراكات، ودفع الرسوم، أمر في غاية الأهمية، يخفف العبء عن المسارات التقليدية القديمة، التي تسيطر عليها بيروقراطية الموظفين، وزحام المواطنين، والمكاتب الحديدية المتراصة، التي تطاردك في أحلامك قبل الذهاب لإنهاء الخدمة، لكن هناك مشكلة أعمق تتعلق بعدم قدرة هذه المواقع على استيعاب الأعداد التي تستهدف الوصول إلى خدماتها، بالجودة المطلوبة وفى الزمن المناسب.
من الثامنة والنصف صباحاً حتى كتابة هذه السطور حاولت عشرات المرات الدخول إلى موقع دعم مصر، من أجل التعرف على طريقة تسجيل رقم الهاتف المحمول على بطاقة التموين، وآليات تحديث البطاقات بعدما أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية أنها أتاحت خدمة تسجيل رقم التليفون من خلال الموقع المذكور إلكترونيا لتخفيف الزحام على مكاتب التموين وتقليل التكدس، إلا أن موقع دعم مصر بعد تحميل ومعاناة سيعطيك الرسالة الشهيرة، التي مفادها أن هذا الموقع لا يمكن الوصول إليه في الوقت الراهن، لذلك عليك أن تحاول في وقت آخر.
عدد المستفيدين من بطاقات التموين على مستوى الجمهورية حوالي 72 مليون شخص، أغلبهم من الفئات الفقيرة ومحدودي الدخل، وسكان المناطق الريفية، سواء في الصعيد أو الوجه البحري، لو افترضنا جدلا أن ربع هذا العدد فقط يدخل إلى الموقع، بما يعني أن حوالي 18 مليون شخص سوف يحاولون الدخول إلى الموقع، وهذا يفسر حالة السقوط الحر التي أصابته منذ يوم الثلاثاء الماضي حتى الآن، وأتوقع أن تستمر هذه الحالة دون جدوى، طالما لم يتم تدعيم الموقع فنياً وتكنولوجيا بصورة تستوعب الأعداد التي تحاول الوصول إليه.
ما زلت لا أعرف الهدف من إلزامية وجود خط "موبايل" لدى كل مشترك في دعم بطاقات التموين، إلا أنه منفعة كبيرة ومكسب ممتاز لشركات المحمول، التي فجأة باتت مقراتها مكدسة، وأشبه بطوابير العيش، التي كنا نراها قبل 20 عاماً على المخابز، فالكل يشترى أرقاماً جديدة، لدرجة أن أصحاب الحاجات والمساكين صاروا يقترضون من أقاربهم وجيرانهم لتوفير نفقات خط الموبايل وثمن جهاز التليفون، وأعرف حالات على أرض الواقع.
لو كنت من سكان الزمالك أو المعادي أو مصر الجديدة، ربما لن تصدق أن هناك أشخاص لا يمتلكون "موبايل"، لكن الحقيقة أن هناك بالفعل الكثير من هذه النماذج، فالبعض قد يفقد حقه في بطاقة التموين والدعم، نتيجة عدم قدرته على توفير ثمن خط الموبايل والجهاز وتكلفة الشحن الشهرية، وكل هؤلاء مسئوليتهم في رقبة وزير التموين الدكتور علي المصيلحي، ومن يعملون في منظومة تحديث بطاقات التموين، خاصة أن هؤلاء هم الأحق بالدعم.
أتصور أن تحديث بطاقات التموين من خلال موقع دعم مصر مجرد مناورة من وزارة التموين لتهدئة المواطنين وتبرير الرغبة غير المفهومة في إضافة أرقام التليفون المحمولة على كل بطاقة تموين، لكن الموقع لن ينجح في استقبال زيارات المستفيدين من الدعم، وبالتالي لن يخفف التكدس والزحام أمام مكاتب التموين على مستوى الجمهورية، ويجب على وزارة التموين أن تعيد تقييم قرارها بتحديث البطاقات مرة أخرى، وتسهيل الإجراءات بصورة لا يتحمل معها المنتفع أعباء مالية.