ما نراه الآن من انتشار عدة ظواهر غير حميدة كظاهرة المستريح والجشع والنصب، وازدواج المعايير، ووقوع البعض ضحية الطمع، وأوهام الكسب والثراء السريع، يؤكد أن هناك أزمة ضمير هى سبب كل هذه السلبيات والمشكلات، ويؤكد أيضا أنه بات الكثير الآن لا يفرق بين التجارة والنصب ولا بين الشطارة والنهب ولا بين الكسب والسلب، لذلك أعتقد أن ذلك كله هو نتاج لما يحدث فى المجتمعات من تدهور منظومة القيم وغياب الإنسانية التى نتج عنها تشريد وقتل وظلم واحتلال، لتصبح الإنسانية جمعاء مهددة لغياب الضمير والقيم عن تصرفات وأفعال البشر وسط تحديات وأخطار جسام، رغم أنه من المفترض انه فى ظل الأزمات دائما ما تبحث المجتمعات عن الضمير لتستقيم الحياة، ويتحقق العدل الإنسانى.
وما يزعج حقا، ونحن نتحدث عن أزمة الضمير وآثارها على المجتمع، أن الأمر لم يتوقف عند غياب الضمير عن حياتنا المادية، إنما طال منظومة القيم والثوابت الأخلاقية خاصة فى ظل سيطرة عالم الحداثة والسوشيال ميديا، فرأينا انتهاكات للخصوصية، وتقطع للأرحام، وكثرة للجرائم العائلية، وعقوق للوالدين، وتزايد آفات الجحود والنكران.
لذا.. على المجتمع دق ناقوس الخطر تجاه هذه الأزمة، وضرورة إعمال الضمير فى حياتنا، بمعنى أن لا يكون مجرد عبارات وجمل وشعارات رنانة فحسب، إنما يكون بمثابة قوة حقيقية نجد تأثيرها بيننا على أرض الواقع، حيث لا احتكار للسلع ولا نصب ولا احتيال ولا فهلوة، ولا جشع، ولا استغلال للأزمات، وقتها فقط يتحقق التكافل الاجتماعى والرضا المجتمعى، وتستقيم الحياة.
وإذا أردنا أن يكون لهذا الضمير قوة فعل حقيقية، علينا أيضا ان لا ننسى ما قاله نبينا الكريم، «إن خياركم أحسنكم قضاءً»، فما أجمل من حفظ الحقوق، وليس هناك أجمل من الصدق والبر، ولا أفضل من الرحمة والاخلاق، وهذه صفات دعت إليه كافة الأديان السماوية، وما أعظم من التحلى بهذه الصفات فى ظل التحديات والأزمات، وما أكثر التحديات والأزمات فى وقتنا هذا جراء الحروب والأوبئة.
وأخيرا.. نستطيع القول، إنه مهما كانت التحركات والقرارات والنظريات والقوانين، فلا حل جذرى لمشكلاتنا إلا بالعودة إلى إعمال الضمير فى حياتنا من جديد، والتمسك بقيمنا وثوابتنا، حيث الأمانة والكرم، والتخلى عن الأنانية والجشع والخداع، وأن نفرق بين التجارة والشطارة والكسب والسلب، وان نتذكر دائما، إذا مات الضمير، استحال معه أى إصلاح، فكيف يصلح مجتمع، ولبنته الأولى التى هى الإنسان فاسدة؟..