اهتمام الدولة الكبير بالقطاع الصحي خلال السنوات الأخيرة، يعد أمرًا غير مسبوق عما كنا نراه في أزمنة سابقة، حيث إننا يومًا بعد يوم نرى ثمار هذا الاهتمام على أرض الواقع، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر مبادرة 100 مليون صحة وإنهاء قوائم الانتظار والتأمين الصحي الشامل لكل المواطنين، بالإضافة إلى العمل على تطوير جميع المستشفيات الحكومية ورفع كفاءتها من الأجهزة والأطباء والتمريض وخلافه.
بدا الاهتمام بالقطاع الصحي واضحًا وملموسًا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي يشدد في معظم المناسبات على أهمية امتلاك مصر قطاع صحي قوي يساهم في خدمة المواطنين وتوعيتهم بنظام الصحة السليم، وهو ما يجعلنا نساهم في بناء الدولة الحديثة، كما ان هذا التحول في القطاع الطبي دفعنا لمضاهاة أكبر النظم الصحية العالمية، والدليل تعاملنا الأخير مع أزمة تفشي فيروس كورونا، والتي نجحت الدولة فيها باقتدار.
هنا أرى أن الاهتمام بفكرة التأمين الصحي الشامل، هو الحدث الأهم الذي يحتاج منا الإشادة لسنوات وسنوات، خصوصًا أنه يستهدف قطاع عريض ويهم كل المواطنين من الإسكندرية إلى أسوان، فقد وجدنا هذا القطاع يشهد تاريخ جديد بعد حجم الاستثمارات والمليارات التي تنفقها الدولة بصفة شبه يومية على التأمين الصحي الشامل الذي سيغطي كل المواطنين تحت مظلة واحدة دون تمييز بعدما كان في السابق يغطي شرائح معينة من المجتمع فقط.
طبعا هذا هو التحدي الأكبر التي حملته الدولة على عاتقها، عبر الدخول في سباق مع الزمن لتعميم التأمين الصحي الشامل في جميع محافظات المحروسة، فضلًا عن تنفيذ العشرات من المشروعات في المجال الصحي من مستشفيات ووحدات صحية لتوفر الرعاية الصحية الشاملة لأهالي الريف بجميع المحافظات من خلال المستشفيات التابعة لهيئة التأمين الصحي الذي عانى كثيرا من الإهمال في فترات سابقة.
لمست هذه الإنجازات عندما قادتني الظروف في الفترة الماضية إلى التعامل مع مستشفى بنها النموذجي للتأمين الصحي، بعد تعرض والدي لحادث بسيط تسبب في كسر بالمفصل استلزم تدخل جراحي عاجل، فقد وجدت تغيير كبير في مستوى تعامل الأطباء مع المرضى والعمل على إزالة كل المعوقات التي تواجههم للحصول على خدمة طبية مميزة، خصوصًا مع الحرص الدائم من الدكتور محمد صلاح كساب مدير المستشفى، والذي تولي المهمة مؤخرًا، على المتابعة الدؤوبة والسعي إلى تبنى خطة لتطوير الخدمة الطبية المقدمة بالمستشفى والتيسير على المرضى وذويهم.
رغم انشغالي بحالة والدي انتظارًا لإجرائه الجراحة، وخلال المكوث معه في المستشفى، لاحظت كثيرًا الالتزام الكبير من الدكتور صلاح على التواجد مبكرًا في مكتبه وحرصه الدائم بالمرور ومتابعة الأحوال والعمل على حل المشاكل سريعًا أينما وجدت، خصوصًا في ظل التعامل مع مئات الزائرين للمستشفى لكونها تخدم مدينة بنها والقري الخاصة بها، بالإضافة إلى المدن والقرى المجاورة في مدينة طوخ أيضًا.
ودار حديث سريع بيني وبين مدير مستشفى بنها للتأمين الصحي حول الأحوال داخل المستشفى، ونظرته المستقبلية في ملف القطاع الطبي، فوجدت شخصًا طموحًا همه الأول والأخير تدشين قواعد وفقًا لتوجيهات الدولة، من أجل الوصول إلى أفضل الطرق وأسرعها لتقديم الخدمة الطبية المميزة للمرضى، على أن يلتزم بهذه القواعد هو أولًا ومعه فريق العمل من الأطباء والتمريض والموظفين والأمن وغيرهم من العمال داخل المستشفى، وطبعًا هذا يعد تحديًا كبيرًا بالنسبة له، في ظل وجود بعض المعوقات التي تواجهه، منها استمرار العديد من أصحاب العقليات القديمة لدى بعض الموظفين بالتعامل على الطرق السابقة والاكتفاء بدور الموظف الكسول المتكاسل عن تأدية واجبه، لكن لدينا ثقة كبيرة في اختفاء هذه الظاهرة تدريجيًا مع وجود كوادر جيدة مثل الدكتور محمد صلاح.
كما أن أكثر الأمور التي أسعدتني داخل مستشفى بنها للتأمين الصحي، هو وجود أطباء مميزين في مجالهم، مثل الدكتور أحمد عبد الستار الطوانسي، أخصائي جراحة العظام والمفاصل والعمود الفقري، والذي أجرى الجراحة لوالدي، حيث إنه معروف بين زملائه بدماثة خلقه ومشهود له بالكفاءة الكبيرة، فعلى الرغم من صغر سنه، إلا أنه أحد أهم الجراحين في مجاله.
لكن الأهم بالنسبة لي في حالة الدكتور أحمد عبد الستار، ليس كونه طبيب وجراح مميز، وإنما لأنه صاحب ضمير حي، وكل هدفه خدمة المواطنين البسطاء والمرضي غير القادرين، فقد رأيت بعيني مدى الإرهاق الذي يتعرض له من أجل التواجد مبكرًا داخل المستشفى لإجراء العديد من الجراحات دون انتظار مقابل سوى محبة الناس والدعاء له، والذي يعد هو الاستثمار الحقيقي في مهنته وفقًا لرؤيته، لدرجة أنى شعرت لأول مرة بتجسيد مقولة "ملائكة الرحمة" على أرض الواقع، خصوصاً أن السائد لدى الكثير منا أن الأطباء وأطقم التمريض بالمستشفيات الحكومية تحديدًا تواجه اتهامات دائمة بالإهمال الجسيم والمحسوبية وغيرها من هذا القبيل، وظلت هذه الفكرة راسخة في أذهاننا جميعًا، حتى بدأنا نرى الأمر يتغير تدريجياً بالآونة الأخيرة.
أخيرًا، أتوجه بالشكر إلى صديقي العزيز الدكتور محمد حجاج مدير عيادات مستشفى بنها الشاملة، والذي لا يختلف عن أسلافه المذكورين من حيث الكفاءة والسعي إلى خدمة المرضي ومواكبة التطوير، وكان له الدور الأكبر في معرفتي بالدكتور محمد صلاح والدكتور أحمد عبد الستار، فالحقيقة أن مثل هذه النماذج الاستثنائية هي التي تستحق أن نسلط الضوء عليها في مجتمعنا الصحفي والإعلامي، بدلًا من اللهث خلف هوس التريند المصنوع بلا هدف سوى التغذى على الفضائح والتهريج.. فما أحوجنا إلى ضمير في كل مهنة وعلى كل مكتب وفوق كل كرسي من أجل مصر الجديدة.