كنت أجلس مع أحد الأصدقاء والذى يعمل في مجال تجارة التجزئة، وفي أثناء حديثه تطرق لمصطلح في غاية الروعة، ومعبرا للغاية عن كثير مما يحدث، وهو مصطلح " كسر مقاس"، وذلك أثناء سرده لفكرة شراء "اللوطات" وهو أيضا مصطلح شعبوى يطلق على شراء بضائع بكميات كبيرة دون فرز، بل تكون "البيعة على بعضها" بكل ما فيها من مميزات وعيوب، والتي تعتمد على فكرة " كل واحد وشطارته".
يشرح الصديق أيمن المصرى فكرة مصطلح "كسر المقاس" بأن التاجر عادة ما يتجه لشراء كمية "على بعضها" من بضاعة بعينها، وتلك الكمية يوجد بها مقاسات متعددة، ولنضرب مثلا بسلعة ما حتى تكون الأمور أكثر تقريبا، فلو أن البضاعة المقصودة هى الأحذية، فهناك مقاسات فيها تبدأ من 32 إلى أكبر مقاس ممكن ولنقل مثلا مقاس 47، و لذلك يكون أمام المشترى الأول أو التاجر الأول حلان، إما أن يبيع تلك البضاعة بأكملها مرة واحدة لتاجر آخر بالمكسب الذى يحدده، وهى فكرة تاجر التجزئة، حتى تصل لبائع العرض أو الذى يقوم بفرز تلك المقاسات وبيعها لديه، وإما أن يأتي إليه تاجر آخر يطلب منه مقاسات بعينها وهى المقاسات الأكثر بيعا، وهنا يجب على التاجر حسم الأمر، هل يوافق على بيع المقاسات المطلوبة، أم يواصل البيع بالكمية على بعضها.
لو أنه قرر الحل الأول وهو بيع مقاسات بعينه، سيظهر لديه المصطلح المذكور وهو "كسر المقاس"، وهى المقاسات التي لا يوجد عليها طلب كثير، بل لها زبون بعينه يبحث عنها، وتلك البضاعة تسبب خسائر متعددة، فهى بضاعة مركونة دائما تسبب للتاجر خسارة يومية، فهى لا تباع في يوم أو ليلة، كما أنها تأخذ مكانا فى المحل أو مكان التخزين، مما يجعلها دائما تدفع البضاعة الجيدة، وتواصل بضاعة "كسر المقاس" استنزاف التاجر بكل الأشكال، فهى تسمى لديه "بضاعة" لكنها في حقيقة الأمر "خسارة كبيرة ومستمرة"، كما أن زبائن "كسر المقاس" لا يصلون بسهولة للتاجر، بل يواصلون البحث في أماكن أخرى عن طلبهم، ولا يعرفون الطريق الصحيح للتاجر الأول.
والشاهد فيما نقوله لو أن التاجر استمر في مسعاه والعمل بمنطق التعامل مع "البضاعة على بعضها"، لما ظهر لدينا مصطلح " كسر المقاس" بكل ما فيه من جهد لا أمل فيه، بل واستمرت مكاسب التجارة ككل.