الإعلانات هى فواصل بين فقرات من برامج أو تمثليات أو أى مادة تليفزيونية معروضة للجمهور، وهى ليست كذلك فقط، ولكنها أيضاً وسيلة تسويق لمنتجات يتداولها أو يريد المعلنون أن يتداولها العامة، ولكنها أيضاً معيار يقيس به الدارسون اقتصاد البلاد واتجاهاته، وهى كذلك فن وعلم، وهى فى مصر كل ذلك وأكثر، فهى تحتل البطولة فى شهر رمضان أكثر من يسرا، ومحمد رمضان، وعادل إمام، ويوسف الشريف، وعمرو يوسف، وغيرهم من نجوم دراما رمضان، فالإعلانات فى الشهر الفضيل بالتحديد تأخذ على الشاشة وقتا أطول كثيراً من أى مسلسل، وهى فى مصر أيضاً وسيلة للنجوم الغائبين عن الدراما للوجود على الشاشات كأحمد عز، والسقا وغيرهم، بل هى تأكيد لدى آخرين للبقاء على الشاشات أطول فترة ممكنة، كبيومى فؤاد اللى شايل دراما رمضان وبعض إعلاناته على كتفيه.
وأخيراً وليس آخراً فالإعلانات التليفزيونية فى مصر هى حديث المدينة ومواقع التواصل الاجتماعى فى رمضان، مثلها تماماً مثل الدراما وحكاياتها، لذا فلا يمكن لكل ما سبق أن نتجاهل الحديث عنها فناً أو اقتصاداً أو كعنصر من عناصر الإشارة لكثير من الظواهر فى مجتمعنا.
1 - الإعلان فن قائم بذاته وعلم يُدرس فى الجامعات، فهل أغلب ما قدمه الإعلان فى الإعلام أشار إلى أن من يعملون فى هذه المهنة يتمتعون بالإبداع؟ للأسف الإجابة لا، كبيرة جداً، فلا يوجد إعلان واحد يملك فكرة مبدعة مبهرة فقط، الإبهار قد يكون أتى من عدد النجوم المشاركين فى الإعلانات، وسؤال الجمهور عن التكلفة، ولكن أغلب الإعلانات لجأت لسرقة الماضى من موسيقى وأغانى شهيرة، ارتبطت فى وجدان الأجيال وأعادت صياغتها بكلمات تناسب المنتجات التى تعلن عنها، مثل الليلة الكبيرة لجاهين ومكاوى، أو أغانى عبدالحليم الشهيرة أو غيرها، وكأنهم جميعاً اتفقوا على سرقة الماضى والحاضر.
2 - الإعلان دلالة على اقتصاد الدول، فماذا يقدم لنا اقتصاد هذا البلد من خلال الإعلان؟ نحن دولة واقتصاد قائم ما بين حسنة قليلة تمنع بلاوى كثيرة، وثروة عقارية مكونة من الكومباوند ذى الحدائق الغناء والمولات الفاخرة، التى لا يستطيع أن يحلم بها إلا المليونيرات الكبار، ثم يقف بين هذا وذاك إعلانات البوكسرات والموبايل، وعلى استحياء يأتى إعلانان فقط للتصنيع، يتمثلان فى إعلانات الحديد، أى بعبارة محددة لا لبس فيها، إن اقتصاد هذا البلد قائم على الاستهلاك بلا إنتاج، وعلى الاستهبال فى مد اليد لكى يأكل ويلبس ويعالج جزءا كبيرا من الشعب.
3 - أما الظواهر الاجتماعية التى تشير إليها الإعلانات الرمضانية فهى جزء من الدلالات الاقتصادية، فكأن مصر بها شعبان، شعب العشش وطلب المعونة، وشعب الكومباوند، وليس بينهما شعب ثالث، وتلك هى الأزمة والمصيبة، فحين تختفى الطبقة الوسطى من أى مجتمع تختفى رمانة ميزان هذا المجتمع، وحين لا توجد إعلانات لمنتجات يتم ترويجها للطبقة الوسطى إذن فهى غير موجودة، أو على الأقل عددها لا يستحق أن نروج له منتج من خلال إعلان.