فى أواخر تسعينيات القرن الماضى، تسللت ظاهرة الدعاة الجدد، للمجتمع المصرى الراقى، وبدأت فى الأندية الاجتماعية الشهيرة، ومنازل المشاهير من رجال الأعمال والفنانين ولاعبى كرة القدم، وسرعان ما صارت حالة، استحوذت على الاهتمام، وسط ترحيب وصخب مجتمعى كبير، وتقديم هؤلاء على أنهم دعاة "مودرن" يرتدون الجينز والتيشرتات المستوردة، ويمارسون الرياضة، ودشنوا لحجاب، مودرن، وفتاوى عصرية، وبمرور الوقت راجت بضاعتهم، لتتصدر المشهد مع أوائل الألفية الثانية، دون محاولة حقيقية لتقييم الحالة، وفهمها.. حتى فوجئنا أن معظم هؤلاء الدعاة، ما هم إلا أعضاء وأبواق لجماعات وتنظيمات متطرفة، فى شكل ومحتوى عصرى، هدفه السيطرة على كِرِيمة المجتمع الراقى، بعد سيطرتها على الطبقات الفقيرة، وتمكنوا فعليا من تجنيد مشاهير الفن والرياضة، واندلعت موجة الفنانات المحجبات المعتزلات، ولاعبى الكرة الملتحين!
وتكشفت حقيقة هؤلاء، واتضحت مخططاتهم أكثر وأكثر، عقب اندلاع 25 يناير 2011 فاندثرت شعبيتهم اندثار الديناصورات، وأعطى لهم المجتمع المصرى ظهره.
ومنذ سنوات، ومع انتشار السوشيال ميديا، طفت على السطح ظاهرة ما يطلقون على أنفسهم خبراء التنمية البشرية، وعلم الطاقة، وانتشرت الظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشار النار فى الهشيم، وما من منصة من منصات السوشيال ميديا، إلا وتجدهم أمام عينيك بمجرد دخول هذه المنصة أو تلك.. وبكل ثقة مفرطة، يحاولون إقناعك بأن الحمار، ملك الغابة، وأن الأرنب يمكن أن ينافس الصقر فى تحليقه فى السماء ويمكن له أن يذهب للسماء السابعة بكل سهولة، وأن بإمكان الإنسان أن يخترق الأرض ويصل إلى الطبقة السابعة بكل يسر أيضا، فى حالة تنفيذ نصائحهم وإرشاداتهم.. معتمدين فى الإقناع على قدرتهم البلاغية فى الخطابة، والكلام المنمق، والاستشهاد بالآيات الواردة فى الكتب المقدسة، بجانب الرسل ورجال الدين، وما تزخر به كتب التاريخ من عظات، بجانب ما دشنه الفلاسفة!
استفحلت ظاهرة "دعاة" التنمية البشرية وخبراء الطاقة، مؤخرا، لتتجاوز منصات السوشيال ميديا، وتصل إلى المؤسسات الجماهيرية، والشركات الكبرى، والتى ضخت الملايين لاستثمارها فى جلب هؤلاء ليقدموا محاضرات للموظفين، وتنظيم ندوات تحفيزية، تحمل عناوين براقة، من عينة محاضرات تطوير الذات، وخفايا وقدرات العقل الباطن، وامتلاك مفاتيح النجاح المبهر، وتكوين الثروات، وتحقيق الشهرة!
الغالبية المطلقة من "دعاة" التنمية البشرية، يحفظون "أكلشيه" وحيدا كمقدمة تروج لبضاعتهم، هي: "صدقونى، يمكنكم أن تحققوا كل ما تحلمون به، ويصبح المستحيل ممكنا إذا أمنتم بأنكم تستطيعون تحقيقها، فرددوا دائما، نعم، نحن نستطيع".. وتجاوزت ظاهرة دعاة التنمية البشرية، حدود السوشيال ميديا، إلى المطابع التى طبعت ما يقرب من مليون كتاب تتحدث عن التنمية البشرية وعلم الطاقة، وهو الرقم الذى أمكن حصره من المبيعات على أمازون، فقط.
ولابد أن نبرز، هنا، أمرا مهما، أننا نؤمن بالعلم، والاجتهاد المبنى على النظريات والتجارب العلمية وفقا لمعايير البحث العلمى، والملاحظ أن الغالبية الكاسحة من علماء النفس، يعارضون ظاهرة خبراء التنمية البشرية، ويرون فيهم أنهم أشخاص يعتمدون على قدرتهم على الإقناع بأفكارهم ورؤاهم، مع نسبة يسيرة من النصائح، عديمة القيمة، وأكاذيب منمقة، تتقاطع بعنف مع أبسط قواعد العلم، وفند عددا كبيرا من علماء النفس، ما يردده دعاة التنمية البشرية، وهاجموا أطروحاتهم لأنها تضر أكثر ما تفيد.
وبالفعل، إذا ركزت فيما يردده دعاة التنمية البشرية، سواء على السوشيال ميديا أو فى كتبهم، تجد أن المحتوى الذى يقدمونه عبارة عن محاولات إقناع ونصائح، من عينة سيطر على عقلك، سيطر على حياتك، سيطر على تفكيرك، فكر، نفذ، استمر، انهض، تدرب، نظم حياتك، نظم وقتك، ضع لك عادات إيجابية يومية، لا تستسلم، اقهر الصعاب، 12 نصيحة للتخلى عن الحبيب، 10 نصائح للرد على الهجر، 7 أشياء لكشف الخيانة، 15 نصيحة لتمشى فوق سطح الماء دون أن تبتل، 9 نصائح للزوجة للسيطرة على زوجها، إلى آخر هذه النصائح.
وللأسف، أن تأثير هؤلاء على عقول الكثيرين، خاصة الشباب، أتى بنتائج سلبية، فكل زوج وكل زوجة، بدأ تطبيق نصائح الدعاة الجدد، تفاقمت أزماتهما وازدادت نسبة الشقاق، واستفحلت فى السنوات الأخيرة، ظاهرة الطلاق، ومن ثم خراب البيوت، إذا ما وضعنا فى الاعتبار، ما يؤكده علماء النفس أن البشر مختلفين، فكريا وعقائديا وثقافيا واجتماعيا، لذلك تعميم النصائح، كارثة.