تناولنا فى مقالنا أمس، انتشار ظاهرة دعاة التنمية البشرية وعلم الطاقة، انتشار النار فى الهشيم، عبر المنصات المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعى، وأن المحتوى الذى يقدمونه عبارة عن محاولات حثيثة للإقناع، وقليل من النصائح المنمقة، وأكدنا أن هؤلاء يرسمون صورة خيالية لتحقيق أهداف شاقة، لا تمت للواقع بصلة.
وبشيء من الدراسة والبحث والتدقيق تكتشف أن دعاة التنمية البشرية يتشابهون إلى حد التطابق مع "المستريحين" الذين ينهبون أموال الناس، فى كيفية استغلال مخاوف الإنسان وضعفه وطلبه للمساعدة، ويبدأون فى دغدغة مشاعره، بمجموعة من النصائح عن الإرادة والقدرة وأن بداخل كل إنسان غول يستطيع تحطيم الحزن واليأس والإحباط، فى حالة قدرة الإنسان على إخراج هذا الغول الكامن فى نفسه، والمتمثل فى الإرادة.
الأمر يتجاوز الظاهرة، إلى تمكين متنامى وسريع فى المجتمع، ما يمثل خطورة إذا ما وضعنا فى الاعتبار عدم معرفتنا الكاملة بحقيقة هؤلاء، الأيديولوجية والفكرية، بجانب مهاراتهم العلمية، حتى لا نفاجأ يوما، أن هؤلاء المستريحين فى التنمية البشرية، غرسوا أفكارا كارثية فى عقول الشباب والبسطاء، مثلما غرس الدعاة الجدد من قبل فى تسعينيات القرن الماضى وأوائل الألفية الثانية، واستيقظ المجتمع على موجة كبيرة من الأفكار المتطرفة، جلبت وبالا على المجتمع بأثره.
مستريحو التنمية البشرية، يسيرون على نفس نهج الدعاة الجدد، والمستريحون الجدد الذين ينهبون أموال الناس بزخرف الوعود البراقة، وذلك من خلال محاضرات وندوات محتواها نصائح وتوجيه الناس والاستشهاد بما يتيسر من آيات وأحاديث وحكم وأبيات شعر، وأقوال لحكماء وفلاسفة وأدباء ورجال أعمال مشاهير، ثم يغلفونها بغلاف من السوليفان الشيك لتقديمها وجبة طعمها لذيذ ولكن أضرارها بالغة على الصحة.
وإذا دققنا فى سيرة أشهر مشهور فى التنمية البشرية عالميا، الأمريكى "أنتونى روبنز" تكتشف أن هذا الرجل، نسجت حوله أساطير تفوق قدرات القديسين، من حيث تأثيره على الناس بدورات ومحاضرات وندوات، بجانب كتبه، فيكفى ما يتردد أنه أثر فى أكثر من 50 مليون إنسان على مستوى العالم، وأنقذهم من الإحباط واليأس، إلى السعادة والنجاح، وهو رقم خزعبلى، إذ يفتقد التوثيق العلمى، ودراسة حالة الخمسين مليونا، قبل معرفتهم به، وبعدها!
وإذا تفحصت مضمون محاضراته وكتبه، وعقدت مقارنة بينها، ستكتشف أنها قائمة على مجموعة من النصائح، ومحاولات كثيفة للإقناع، وبدغدغة المشاعر، من عينة، إذا أردت أن تغير حياتك، ركز على الفعل.. ومن اتخاذ القرارات الصائبة، عليك أن تغير عاداتك.. وابعد عن الطاقة السلبية، وتحلى بالطاقة الإيجابية، يُسخر الكون لك كل الخير.. وإذا أردت أن تتعافى من مشكلة عاطفية، عليك طرح الأسئلة الصحيحة، لتتوصل لإجابات صحيحة، تساعدك على إيجاد الحلول الناجعة.. كلما تمكنت من تغيير ألفاظك التى تستخدمها، تمكنت من تغيير سلوكك.
بينما يرى علماء النفس، أن تغيير سلوك الإنسان، وانتقاله من حالة اليأس والإحباط إلى حالة السعادة والتفاؤل، أو التحكم فى حالة الغضب أو القدرة على تغيير السلوك، لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها، أو من خلال إسداء 12 نصيحة، أو ترديد مقولة بعينها، عشرات المرات، بينما الأمر يحتاج وقتا طويلا، وأن يتحول النصح النظرى، إلى واقع عملى، يحتاج جهدا ضخما!
احذروا مستريحى التنمية البشرية، فإن خطورتهم تفوق خطورة مستريحى توظيف الأموال، الجميع يتاجر بالكلام والشعارات، ويبيع الوهم بكل سهولة ويسر، تاركين نفوسا محطمة!