يعد مهرجان "كان" السينمائى هو المهرجان الأهم في العالم والأكثر إخلاصاً والتزاما بقيم الفن، ودائما المنظمون يؤكدون تجرده وحيادته، وأن لا علاقة له بعالم السياسة، لكن ما حدث في دورته هذا العام كان أمرا استثنائيا، فتم دحض كل هذا التأكيدات.
نعم لا يخلو مهرجان من سياسة، لكن ما حجم الجرعات السياسية المستخدمة؟، الأمر الذى أثار جدلا كبيرا، خاصة أن جرعة السياسة هذا العام كانت مكثفة للغاية للدرجة التي وصفها البعض بأن السحر انقلب فيها على الساحر، وأنها خرجت عن الإطار المطلوب مما أصبح الأمر فجا كشف زيف المعايير وتأكيدات المنظمين.
والمتتبع لفعاليات المهرجان العالمى هذا العام، يجد أن الحرب الروسية الأوكرانية ألقت بظلالها بقوة، حيث بدأت بمقاطعة أعمال روسيا الفنية ما عدا الأعمال المعارضة للرئيس بوتين، ورفض مشاركتها أو حضور الفنانين الروس، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل بلغت الجرعة السياسية ذروتها خلال افتتاح المهرجان، حيث كان هناك خطاب "بث مباشر" عبر الأقمار الصناعية من الرئيس الأوكرانى زيلينسكى متحدثا باستفاضة حول العلاقة بين السينما والواقع.
وبغض النظر عن حجم الجرعة السياسة في مهرجان كان، فإن ما حدث ينسف مقولة "لا علاقة للفن بالسياسة"، وفى نفس الوقت يذكرنا بضرب المبادئ والمواثيق التى صدعونا بها ليل نهار، وبعد أن علم الجميع سواء إن كان مؤيدا أو معارضا أن هذه المعايير ما هى إلا مجرد فقاعات هواء كانت وما زالت توظف لخدمة التربيطات والحسابات والمصالح وأنه لا قيمة ولا وزن للشعوب أمام رفاهية أوطانهم.
لذلك أعتقد أن حرب أوكرانيا كشفت وقامت بتعرية كثير من هذه المفاهيم والمعايير الدولية وأكدت ازدواجية التطبيق على الأرض، سواء على الساحة السياسة في التعامل مع الملف الأوكراني وترك ملفات لا تقل أهمية مثل ملف القضية الفلسطينية أو ملف سوريا، أو الإنسانية مثلما رأينا العنصرية في التعامل مع اللاجئين، أو الفنية كما هو الحال في مهرجان كان هذا العام، بل أكدت قطعا وثبوتا كثيرا من الزيف والتضليل، وأن الشعوب في ظل هذه النظام العالمى القائم على هذه المعايير لا قيمة ولا وزن لها.
وأخيرا.. نستطيع القول، إن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت مما لا يدع مجالا للشك أن ما صدعونا به على عقود طويلة من شعارات ومبادئ، مجرد فقاعات هواء لا أكثر.. إنها الازدواجية يا سادة في أفظع صورها..