بعد أن سيطرت الحياة المادية على سلوكياتنا وتصرفاتنا أصبحت النعمة في مفهومنا واعتقادنا هي الوفرة والرفاهية، والسعادة في كثرة المال وتضخم الأرصدة في البنوك وفى انتفاخ الجيوب والبطون، فلا صلة لرحم ولا استمتاع بحلال ولا شعور بالاكتفاء أو الاستغناء، وهو ما انعكس على قيمنا المجتمعية، فرأينا عدة ظواهر سلبية بمثابة فسادا ينخر في المجتمع، فها هي ظاهرة المستريحين وتلك جرائم عقوق الوالدين وهذه آفة الجحود والنكران، فلا سعى إلى تعظيم قيمة ولا تضحية من أجل بقاء قيمة، إنما الكل يلهث وراء مصالحه الخاصة من منظوره الضيق حتى ولو على حساب قيم وثوابت المجتمع، لذا يجب علينا الانتباه ودق جرس إنذار، للحد من انتشار اللامبالاة وعدم تحمّل المسؤولية وشيوع الكثير من الآفّات الاجتماعية؛ كالرشاوي والاحتكار والجشع والغش.
ومن المؤسف، أننا نسينا أياما كانت السعادة في صلة الرحم والرضا بالقليل، فكنا في ريفنا نرى أهالينا البسطاء كيف كانت سعادتهم، التي كانت تتمثل في الجلوس بعد العصرية على رأس أحد الحقول وأمامهم كُوة من النار مُشتعلة وعليها "براد من الشاي" يتقاسمون أكوابا منه ويفرغونها في جوفهم متلذذين مستمتعين، وأصوات "شفط الشاي" كأنها نغما موسيقيا تطرب لها الآذان، وآخرين يغدقون على جيرانهم من خيرات حقولهم وحليب مواشيهم تكرما وعطاءًا، فتلك هي النعمة المتمثلة في فيض من العطايا، ولست كما نعرفها اليوم، والتي تتمثل في الأبراج الشواهق والحفلات الماجنة وأكوام الطعام ودفاتر الشيكات.
فما أحوجنا إلى العودة إلى الزمن الجميل، حيث التهادى وجبر الخواطر، فما أجمل من أيام كان التبسم والبشاشة في وجه أناس نعرفهم أو لا نعرفهم، وما أروع من أيام كان التهادى والتحابى لأناس ضعفاء فتكون سببا لقوتهم ورد الحق لهم فيكونون مدينون لك بكرمك، وليس كما هو الحال اليوم حيث زيف التبسم وتعارف المصلحة.
تلك أيام جميلة نتمنى عودتها، حيث الأخلاق الطيبة والنفوس الراضية والمحبة الصادقة، فالكبير يُقدر الصغير والصغير يوقر الكبير، والقيم الاجتماعية حاكمة في تصرفات الأفراد، فالحل بالعودة إلى الروح الأخلاقية والثوابت الاجتماعية التي تربينا عليها في زمن يسوده الحب والإخلاص والصدقة والأمانة..