لا أذكر من حصة المجال الصناعي أو التربية الفنية، إلا الفصل المزدحم الذى كان ينزل بكامل أعداده إلى فناء المدرسة، دون خطة أو هدف أو حتى معلم، نمارس جميعاً اللهو واللعب والشغب أحياناً، في ظل غياب رقابة المدرسة أو وجود نشاط نمارسه أو نتعلمه، وهذا كان وضع أغلب المدارس الحكومية، فلا يوحد كتاب مدرسي لهذه المواد، ولا خامات أو وسائل تعليمية يتم من خلالها شرح النشاط، طيلة سنوات الدراسة من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، فهذه مواد لا تهتم بها المدارس، ولا تضاف للمجموع أو تخضع لنظام الامتحانات، لذلك يتجاهلها الجميع عن قصد.
بعد سنوات طويلة من انتهاء مرحلة التعليم الأساسي أدركت أن حصة المجال الصناعي كان يجب أن تكون أهم الحصص على الإطلاق، من أجل تعليم التلاميذ الحرف المختلفة، واكتشاف مواهبهم، وتنمية قدراتهم، وتحفيز عناصر الإبداع لديهم، في مجالات نحتاجها جميعاً مثل النجارة والسباكة والحدادة والكهرباء وغيرها، خاصة أن تعلم الحرف أمر في غاية الأهمية، وله مردود إيجابي على الفرد والمجتمع في وقت واحد.
قد تتصور أن إصلاح كرسي مكسور أو دهان حائط شقة أو تركيب شماعة أو حنفية مياه، أمور سهلة وبسيطة يمكن الاستعانة بأحد المتخصصين لعملها، لكنها حرف في غاية الأهمية، لا يجب أن تكون غائبة عن أي أسرة، وضروري أن تتوافر لدينا معارف جيدة عنها بصورة تكفل تعلمها، لذلك لا أندهش عندما أقرأ خبر عن مسئول في حكومة أوروبية أو وزير في دولة عظمى يمارس أعمال النجارة في منزله أو يتولى تجديد دهانات حوائط شقته، فهذه ثقافة باتت موجودة لدى تلك الشعوب، ودعمتها أنظمة التعليم، لذلك بات مهماً ان نعمق تعليم الحرف لطلاب المدارس في المراحل التعليمية المختلفة.
اهتمام المدارس بتعليم تلاميذها أساسيات الحرف المتنوعة، قضية في غاية الأهمية، يجب أن تحظى اهتمام ورعاية وزارة التربية والتعليم، دون أن تتحول لقصة هامشية، أو مجرد جزء من المنهج لا يضاف لمجموع الطالب، فلو تعلم أطفالنا هذه الحرف يمكنهم ممارسة نشاط صيفي مميز، يدعم لديهم الأفكار الابتكارية، ويزيد من حبهم وشغفهم للأعمال الحرفية، التي نحتاجها كثيراً، ويتعطش إليها سوق العمل لها، لذلك حصص المجال الصناعي والحرف يجب أن تكون ضمن أولويات التعليم.
مهم جداً أن تكون المدارس حاضنة للأعمال الحرفية ووسيلة لتعلمها، خاصة في الوقت الراهن، الذي يتفوق فيه من يحمل حرفة أو يمارس نشاطاً فنياً عن أي شخص آخر، فالمستقبل يحمل فرصاً واعدة لأصحاب الحرف وما يرتبط بها من صناعات، ومن الأهمية بما كان أن نغرس في نفوس أولادنا الدور المهم لها، فالسعادة والفرحة التي يجنيها التلميذ من صناعة كرسي خشبي أو دهان حائط لن تقل بأي حال عن تلك التي يشعر بها عندما يتلقى خبر نجاحه، لذلك أتمنى إدخال منهج متقدم للأعمال الحرفية لطلاب المرحلة الإعدادية، ويتم بناء عليه تحديد اهتمامات الطالب وهواياته، وأظن أن الفرصة سانحة ومهيأة، خاصة مع المناهج الجديدة التي وصلت إلى الصف الرابع الابتدائي وتتصاعد خلال الأعوام المقبلة.