وديعة الصيانة للشقق والوحدات السكنية، حيلة استحدثتها الشركات العقارية خلال السنوات الماضية، من أجل الإنفاق على المشروعات المبنية بنظام "الكمبوند"، إلا أنها في حقيقة الأمر باب كبير لفساد غير مقنن، خاصة أن هذه الأموال تدفع جملة واحدة، ومع ارتفاع أسعار العقارات، باتت مبالغ الصيانة ضخمة وتحتاج ميزانية خاصة، لا سيما وأنها تمثل نسبة تصل إلى 10% من ثمن الوحدة السكنية في بعض الشركات.
أغلب الوحدات السكنية الحديثة المبنية لمتوسطي الدخل في المدن الجديدة، أو العاصمة الإدارية، لا تقل أسعارها عن 2 مليون جنيه، بما يؤكد أن وديعة الصيانة، التي تقدرها الشركات بـ 10% من إجمالي ثمنالوحدة تصل إلى 200 ألف جنيه، وهذا مبلغ كبير جداً، يتم دفعة كاملاً عند التعاقد على الشقة، وحتى قبل استلامها، فالعميل يدفع الصيانة أولاً حتي قبل الأقساط أو الاستلام، وهذا أمر غير مفهوم ولا يحدث في أي مكان بالعالم، فكيف يدفع الزبون أموال الصيانة لشقة لم يكتمل بناؤها، ولم يتسلمها بعد!
الشركات العقارية الكبرى تجمع مبالغ طائلة من أموال ودائع الصيانة، ولو أردت معرفة حجم هذه الأموال فعليك إجراء معادلة حسابية بسيطة، تصل من خلالها إلى رقم صلب نستطيع من خلاله تصور حجم الموضوع، فلو أن متوسط عدد الوحدات السكنية في الكمبوند 5 آلاف وحدة، ومتوسط قيمة الوحدة 2 مليون جنيه، بالتالي نسبة الـ 10% المخصصة لوديعة الصيانة ستكون 200 ألف جنيه، وعند ضرب هذا الرقم في عدد الوحدات المذكور " 5 آلاف وحدة" سيكون الناتج الإجمالي مليار جنيه!
لا أعلم كيف يتم توظيف مليار جنيه في "وديعة صيانة"، هل يتم وضعها في البنك لتنتج ريع سنوي أو شهري، يتم الإنفاق منه على الوحدات السكنية، وعند هذه الحالة سيكون عائد هذا المبلغ عند معدل فائدة 10% حوالي 100 مليون جنيه سنوياً أو حوالي 8.5 مليون جنيه شهريا، ليظهر سؤال كبير: هل هذا المبلغ الضخم يتم إنفاقه فعلياً على صيانة المشروع السكني؟ أم أنه يصبح باب كبير للفساد ويتم تعيين موظفين في المشروع على حساب وديعة الصيانة، بل وإنشاء محال تجارية ومولات ومدارس وخدمات مختلفة على حساب وديعة الصيانة!
لو أن موضوع وديعة الصيانة قاصر على الصيانة فعلاً، فهذا يعنى أن شقة العميل كما في المثال المذكور تحتاج إلى إنفاق شهري حوالي 1700 على أعمال الصيانة، وهذا مبلغ ضخم جداً، لن يتم إنفاقه فعيلا حتى لو كان العقار يطل على المحيط الأطلنطي، أو في أفخم المناطق السياحية بجنوب فرنسا، والتفسير الوحيد والمنطقي أن أموال ودائع الصيانة يتم استخدامها في أغراض تجارية لصالح الشركات العقارية، وهو ما يفسر رفع قيمتها خلال الفترة الماضية من 5 إلى 10%، مع العلم أن أغلب أصحاب العقارات والوحدات السكنية يشتكون من مستويات الصيانة، وتأخر أعمال الإصلاحات، ولو أنهم وفروا المبالغ التي دفعوها للشركات وجعلوها تحت تصرفهم الشخصي سيكون الوضع أفضل بكثير.
القطاع العقاري يحتاج إلى إنعاش حقيقي، ورؤية عملية لإنقاذه من الركود المنتظر، الذي يحط بظلاله على العالم كله وليس في مصر فقط، لذلك يجب أن تكون هناك حلول تسويقية عملية ورؤى أكثر فهماً ووعياً لمستجدات الأوضاع المحلية والعالمية، تقدم فرص حقيقية للمستهلك، ومن هذا المنطلق أتصور أن مبالغ الصيانة يجب ألا تتجاوز نسبة 2% من قيمة الوحدة السكنية، حتى يتمكن العميل من سدادها، ولا تصبح عائق أمام التسويق العقاري.