جعل الله سبحانه وتعالى الميزان فى البيع والشراء أحد المؤشرات الكبرى التى يمكن من خلالها قياس مدى صلاح الناس، ومدى مقاومة فساد النفس وضلالها، والأمر فى الحقيقة أكبر من فكرة عدد الجرامات التى نراها بأعيننا، بل له علاقة بصلاح القلب والخوف من الله.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الرحمن "أَلاَّ تَطْغَوْا فِى الْمِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ"، إنه يحذر بشكل مباشر أولئك الذين يحلون ما حرم الله، الذين يظنون أن الرزق الواسع يأتيهم عندما يسرقون "القليل" من الحق، ويظنون أن الجراماتات الصغيرة إذا ما تراكمت صنعت الثروة، وفى سبيل ذلك يبخسون الناس حقوقهم ويظنون أن ذلك دليل قوة، ولا يعلمون أنهم يظلمون أنفسهم، إذ يرتكبون الحرام ويسرقون خلق الله، وأن الذى يتراكم عليهم فعلا هو الخراب العاجل أو الآجل.
كما أن الأمر لا يتعلق فقط بالميزان المحسوس والمرئى أمام أعيننا فى البيع والشراء، بل الحكاية أوسع من ذلك وأكبر إنها تتعلق بالفعل والقول، عندما نكون فى موقع "حكم" على آخرين فيجب أن يكون كلامنا موزونا ومحكما، وألا نبخس الناس حقوقهم فنقلل منهم ونظلمهم لصالح أنفسنا أو لصالح آخرين، بل الواجب إنصافهم حتى لو بيننا وبينهم عداوة، فميزان الحكم بين الناس هو الأخطر والأشد إيذاءً.
إن الميزان هو الحق الذى قد يأخذ بأيدينا إلى النجاة أو إلى التهلكة، فالطغيان والافتراء لا مستقبل لهما، ولنا أن نتأمل فى الحياة حولنا، لنرى أين ذهب الظلمة، الذين بخسوا الناس حقوقهم فى القول والفعل، كيف كانت نهايتهم، وبأى شيء أفادتهم شهادة الزور أو السرقة فى الوزن والكيل، لقد انتهوا وبقى الحق.