في اعتقادي أن الحوار الوطني المقرر أن يبدأ في يوليو المقبل حقق بعضا من أهدافه قبل أن يبدأ.. فالحراك الذي أحدثته دعوة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي للقوى الوطنية، للمشاركة في هذا الحوار، لاقت قبولا من مختلف الأوساط خاصة في تأكيد القيادة السياسية، على أنه حوار وطني شامل "بلا تمييز"، تحت مظلة تحمل عنوانا رئيسيا هو: "مصر تتسع للجميع".
الدعوة التي وجهها الرئيس إلى هذا الحوار الوطني، كانت مفاجأة للجميع، بما فيها القوى السياسية، وهو ما يعني أن الأولويات تفرض نفسها على الواقع. لكن المفاجأة الأكبر كانت للقوة، التي تدعي أنها قوى معارضة، وأنها تعبر عن الشارع المصري!
لم تكن هناك سيناريوهات معدة من جانب هذه القوة للتعامل مع تلك المفاجأة، حتى أن بعض هذه القوى تخبطت، في خطابها خلال الأيام - وربما الأسابيع الأولى- منذ أن أطلق الرئيس دعوته، ودار التخبط حول كيفية الرد، واستغلال هذه الدعوة لصالح ما هو مخطط مسبقا.
في البداية، حاولت بعض هذه المنصات التي يحركها التنظيم الدولي للإخوان الزعم بأن هذا الحوار هو مجرد "مناورة سياسية" هدفها امتصاص الغضب!
المصطلح غير واقعي فأنا لا أعرف عن أى غضب يتحدثون، لكن الذي أعرفه جيدا أن المعارضة الحقيقية تكون من على أرض مصر، وأن أى استقواء بالخارج أو بقوه دولية هو نوع من العمالة والخيانة التي لا يقبلها المصريون بأى شكل من الأشكال.
بعد أيام قليلة من دعوة الرئيس للحوار، كان هناك مساران من جانب هذه القوى المعادية لمصر، الأول تحدث زاعما عن أن هذا الحوار سيدار والقوة السياسية الحقيقية في السجون، بينما دفعت نفس القوى بمسار آخر للمطالبة بالمشاركة في هذا الحوار، وربما أعلنت ذلك صراحة على منصاتها.
كل هذه الخيالات والأوهام تمثل تجسيدا حقيقيا للأزمة، التي تعيشها هذه القوى وتعبر عن العزلة، التي أصبحت فيها بعد أن تخلى عنها الجميع تقريبا، باستثناء أطراف دولية، هدفها أن تبقى هذه القوى، على أمل أن تصلح لتنفيذ تعليمات جديدة، في المستقبل.
لكن ما يعنينا الآن بالدرجة الأولى، هي تلك المؤشرات التي تشير إلى أن هذا الحوار سيصادفه النجاح، لسببين أساسيين، الأول أن هناك إرادة حقيقية، من جانب القوى السياسية الوطنية المصرية، بطرح رؤى واقعية لصياغة مشروع وطني، يليق بمستقبل مصر، والثاني رغبة الدولة المصرية، في تجديد الدماء والأفكار والاستماع إلى زوايا جديدة، بهدف تحريك الواقع الذي نعيشه.
من مظاهر الاحترافية، في إعداد هذا الحوار والتنسيق له، هو تكليف الأكاديمية الوطنية للتدريب برئاسة الدكتورة رشا راغب بالإشراف على أعمال الحوار، دون تدخل وتنسيق الرؤى لضمان نجاحه، كذلك اختيار نقيب الصحفيين ضياء رشوان منسقا عاما للحوار، والمستشار محمود فوزي رئيسا للأمانة الفنية، وهو ما يعني استيعاب التعددية في الآراء وتنوعها بين مختلف الجهات المشاركة.
مصر تريد "حوارا شعبيا" يعبر عنها، ويليق بمستقبلها.. بلا وصاية من احد!