الموت حقيقة، ذلك أمر لا جدال فيه، فلم يستطع أحد أن يهرب من براثنه، وها نحن نسير جميعنا إليه بطريقة أو بأخرى، فلا حيلة ولا شفاعة فيه، ومع ذلك حال الناس مع الموت يحتاج وقفة مهمة.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الرحمن "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ"، أى أن كل ما على الأرض منته وإلى فناء، وأن الله سبحانه وتعالى هو الباقى، والفناء هنا مصير وهو يصيب الإنسان والحيوان، وغير ذلك مما نعرف وما لا نعرف، ولو سألت أصغر طفل عن الموت سيجيبك بأن الموت حقيقة، إذن ما المشكلة؟.
المشكلة أننا نعرف أننا سنموت، لكننا لا نشعر أننا سنموت.. نعم، لو كنا نشعر حقيقة أننا سنموت لاختلفت أحوالنا ولتغير سلوكنا، والشعور أمر "خطير"، لأنه يؤثر فى رد الفعل، فمثلاً لو شعر الناس أنهم سيموتون لقل الظلم وانتهى أكل مال اليتامى، وما تكالب الناس على إيذاء غيرهم، وما صار الغرور مفخرة، ولو شعر الناس أنهم سيموتون لخضع القلب وخشع العقل.
لو نشعر أننا سنموت لرحمنا بعضنا طمعاً فى رحمة الله، ولسعينا للرزق وتحسين أحوالنا دون اختلاس أو نهب، ولأتقنا أعمالنا دون أن يراقبنا أحد، بل نراقب أنفسنا وكفى، ولو كنا نشعر بالنهاية لاستيقظت ضمائرنا النائمة ووقفت فى وجه جشعنا الذى يقودنا إلى الهاوية.
قديماً - حسبما تذكر كتب التراث - كان بعض العابدين يبنون فى بيوتهم قبوراً يجلسون فيها بعض الوقت، يستحضرون عظمة الموت، فتهون الدنيا ويتضح الطريق، لكن للأسف نحن نزور المقابر ونرى امتدادها الذى لا يحده البصر، ومع ذلك لا نشعر أننا سنكون ضمن الموتى، ففى داخلنا إحساس غريب بالخلود كأننا سنهرب من "أنشوطة" الصياد، هناك شىء دفين أننا سننجو، ومع ذلك لو سألتنى هل ستموت؟ سأجيبك باستنكار "وأين أذهب؟".