مر علينا شهر رمضان بنفحاته وكرم شمائله، وترك لنا ميراثا إيمانيا نحتاج جميعا أن نستفيد من عطاياه فى التغيير، نحتاج جميعا أن نزيد من طاقة الطاعة والعمل والإنتاج لننهض بوطننا فى تلك الظروف التى نمر بها جميعا.
لقد مرت مصر فى الفترة الأخيرة بعدة تغيرات سياسية واجتماعية خطيرة أثرت كثيرا على مسيرتها نحو التقدم والبناء، وكلما قرأت قول الله تعالى «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» الرعد «11» وجدت أن الحل يكمن فى فهم معنى الآية الكريمة، ففى الفترة الأخيرة ومع ارتفاع بعض الأسعار تغيرت وجوه كثير من الناس وتغير لسان حالهم وأصبحت الشكوى هى محور حديثهم ولكن لم ينظر أيا منهم إلى أصل المشكلة وهى ما بأنفسنا.
إن الآية الكريمة تدل بعظمتها على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يُغير ما بقوم من خير إلى شر، ومن شر إلى خير ومن رخاء إلى شدة، ومن شدة إلى رخاء حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإذا كانوا فى صلاح واستقامة وغيروا غير الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد والجدب والقحط، والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات جزاء وفاقا قال سبحانه: «وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ» وقد يمهلهم سبحانه ويملى لهم ويستدرجهم لعلهم يرجعون ثم يؤخذون على غرة كما قال سبحانه: «فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ».
وفى الآية الأخرى: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» فهذه الآية تبين لنا أنهم إذا كانوا فى نعمة ورخاء وخير ثم غيروا بالمعاصى غير عليهم، وقد يمهلون كما تقدم والعكس كذلك إذا كانوا فى سوء ومعاص، أو كفر وضلال ثم تابوا وندموا واستقاموا على طاعة الله غيَّر الله حالهم من الحالة السيئة إلى الحالة الحسنة، غير تفرقهم إلى اجتماع ووئام، وغير شدتهم إلى نعمة وعافية ورخاء، وغير حالهم من جدب وقحط وقلة مياه ونحو ذلك إلى إنزال الغيث ونبات الأرض وغير ذلك من أنواع الخير.
لقد أصبحنا نعيش فى زمن يخاف الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وتسفك الدماء فى الطرقات والأحياء والميادين لأى سبب كان، حتى أصبح لزاما علينا أن نغير ما بأنفسنا فأصبح التغيير واجبا علينا جميعا، فالمتأمل فى حياة الإنسان، يجد إن كثيرا من جوانب حياته فى حاجة إلى تغيير، تغيير حقيقى ينقله إلى حال يطمح إليها.
وقد يحدث نوع من التغيير الحقيقى فى رمضان، فيسعد بهذا التغيير، ولكن سرعان ما يرجع حال الإنسان إلى سابق عهده بعد رمضان.
وإذا أراد الإنسان استمرار هذا التغيير ليكون عادة وليس استثناء، فلابد من التغيير بالرغبة والإرادة الصادقة التى تنبع من النفس، وإحداث نقلة فى سلوك الإنسان وأخلاقياته، فعندما يعى الإنسان المسلك الصحيح للتغيير، «بحيث يعلم من أين يبدأ وإلى أين سينتهى»، حينئذ ستكون نتيجة التغيير هى بالفعل ما أراد الوصول إليه قولا وفعلا، ويحقق الغاية المرجوة من التغيير، ولكن فى النهاية يبقى السؤال مضى رمضان فهل تغيرنا؟؟