رب الأسرة.. هذا ما كان يتم إطلاقه على الأب منذ عقود قليلة، فهو الحامى والمهتم بأسرته من خلال التربية والتعليم والإدارة لبيته، وظيفة الأب كانت وما زالت تنحصر فى كونه الواجد لهذه الأسرة والمؤتمن عليها، والقائد الحقيقى فى سبيل تحقيق أفضل إمكانيات بيته، وتوفير كل متطلبات الحياة لكى يكون منزله مؤمنا من كل شيء، فماذا تغير فى العقود الأخيرة؟.
للأسف أصبحت النظرة للأب تتمحور حول التمويل، وفى كونه العائل المادى لتلك الأسرة، ولا نعنى بذلك إطلاق الحكم على كافة الآباء فى المجتمع! بل فى وجود شريحة كبيرة من الآباء التى تعمل على تحسين الوضع المادى والاجتماعى لأسرتها عن طريق بذل المزيد من الأعمال والانشغال لتجميع أكبر قدر من المال لتحسين الحالة المادية والوصول لمستوى اجتماعى مرموق للأسر، مما أدى لضياع وقت كبير كان ينبغى أن يقضى مع الأسرة منذ النشأة وحتى مراحل التكوين الأساسية للشخصية، ما يعد استغناء عن جزء كبير من التربية وتركه للمجتمع، الذى هو بدوره متغير من حيث القيم والمبادئ التى تتغير من وقت لآخر، وتحولات الثقافة التى أصبحت مفتوحة وتتقبل أى ثقافة دخيلة وممارستها بداخل المجتمع، ليتحول الدور الرقابى للأب إلى دور منقوص أو مهمش، وذلك لاهتمامه بنواحى أخرى من أجل مصلحة الأسرة، فأصبح بالنسبة لهم بنكا متحركا يأتى بالأموال فقط، مما قد يجعله ليس مصدرا للاحتياج إلا للنقود ولا مصدر للأمان لأنه غير موجود.
ولا يعنى هذا التقليل من شأن الأب، فهو يسعى ولكن من وجهة نظره، فالمجتمع أصبح يفرض الوضع الاجتماعى والمادى أكثر من فرضه للوضع الأخلاقى والقيمى بشكل كبير، ولا يعنى ذلك الإساءة للمجتمع بوصفه "كائن حى" يتغير ويتشكل تبعاً للمستجدات والتغيرات الحادثة فى كافة القطاعات، خاصة مع السوشيال ميديا التى جعلت كوكب الأرض غرفة صغيرة يتداول فيها الميول والاتجاهات والأفكار بشكل صاخب وصريح.
بل يمكن تحديد المشكلة فى نقاط أساسية، وكل طرف فيها يصبح مسئولا مسئولية مشتركة مع غيره فيها، فأهم نقطة هى انشغال الأب عن أبنائه، وأيضاً انشغال الأبناء عن آبائهم وترك أنفسهم فريسة لتغيرات عديدة تغير وتشكك فى كل ما تعلموه فى نطاق اسرهم، وأيضاً المجتمع وقدرته على امتصاص الأفكار الجديدة دون تنقية من أى شوائب تتعارض مع العرف والأخلاق والدين أحياناً، وأيضاً الثقافة وكون نطاق قوتها أصبح محصوراً فى النقد وليس الإبداع والتوجيه الحقيقى لما يفيد وينفع.
فدعم دور الأب مهم ووظيفته الأساسية هى بناء أسرة صالحة تنشأ على خلق واحترام له هو والأم أيضاً، وليست مجرد أسرة هشة تنهار مع أول مشكلة تواجههم نتيجة التباعد بينهم على مدار السنين وبتراكم الإهمال واللهث حول متطلبات الحياة فقط.
فيبقى الأب العامل الأساسى والجزء الأهم لتكوين أى مجتمع أو ثقافة أو حتى شخصية يقع طمن طائلة، فالأب هو الوحدة المركزية والأساسية فى كل ما سبق، وبفضل توجيهه وتعليمه لأبنائه قواعد الاختيار والخطأ والصواب هى الأهم فى كل ما ذكرناه.
للأسف يلجأ بعض الآباء إلى تفويض صلاحياتهم للأم، التى بدورها تحاول بقدر استطاعتها، ولكن فى ظل غياب القدوة الحقيقية، يصبح الأمر بمثابة نزاع أو تقسيم سلطات ما يلبث أن يؤثر على الأسرة ككل، ولا نعنى الانتقاص من دور المرأة، فهى أحياناً ما تقوم بوظائف الأب كاملة نتيجة لظروف طبيعية، تثبت فيها جدارتها على حسن تدبير الأمور، وحسن التربية.
مما يوضح أن الأب وظيفة أسرية، ذات طبيعة حساسة ومركزية، فيستطيع الجميع أن يكون أبًا بيولوجياً، ولكنه لا يستطيع أن يكون أباً بالمعنى الحقيقى للكلمة، أى بتحمل المسئولية والقيام بالنصح والإرشاد، والعمل على توفير أكبر قدر من الراحة لأبنائه، وتعليمهم القيم الحقيقية فى ظل وجود الكثير من القيم الزائفة، فكثير يستطيعون الإنجاب، وقليلون من يستطيعون التربية واستحقاق كلمة أب.