فى التسعينيات، كنا نرتدى القمصان المفتوحة فنفتح معها قلوبنا للحياة، وكانت حبوب برشام "ريفو" لا يخلوا منه بيت، كان الناس يحتفظون بها فى "حقائبهم" ويعتقدون أنها تداوى نصف أمراض الدنيا، ومن هنا أعجبنى مسلسل "ريفو" الذى عرض مؤخرا على إحدى المنصات.
عادة أميل للقول إن جيل التسعينيات لم يأخذ حقه فى تاريخ مصر من حيث التوثيق، وذلك لأسباب منها أنها حسبت بكونها امتدادا لمرحلة الثمانينات التي كان لها تأثير طاغ فى التحول الثقافى الذى أصاب مصر، كذلك لأن التسعينيات جمعت أمرين متناقضين، الأول أن هذه الفترة شهد أحلاما جميلة عاشها شباب يرغبون أن يحققوا كل شيء قبل بلوغ سنة 2000 فأحدثوا فى الموسيقى صخبا، وأبدعوا فى السينما أفلاما "إنسانية" عالية، الأمر الثانى أن هذا الجيل طاردته الهزائم والظروف حيث البطالة والإرهاب وتراجع الإحساس بالقيمة الفردية، أضف إلى ذلك "الهيبرة الثقافية" حيث بدأ انتشار القنوات الفضائية مما أحدث تنوعا أشاع المعرفة لكنه أخذ من المتعة وقلل من استطعام الأشياء.
كان الشباب الذين سافروا فى الثمانينات كى يحسنوا من حياتهم قد نسوا أنفسهم وصاروا كهولا في التسعينيات، لا يعرفون هل ربحوا من رحلتهم أم خسروا، وكانت الفتيات الجميلات اللواتى تخرجن من الجامعة قد صرن أمهات مشغولات ببيوتهن، يطاردن الأتوبيسات نهارا ويطاردن أولادهن ليلا.
كل هذا فكرت فيه وأنا أشاهد مسلسل "ريفو" الذى استطاع بسهولة من خلال الموسيقى والتفاصيل أن يثير فى داخلى زمنا جميلا، كنا شبابا صغارا لم نعرف بعد المسئوليات، نضحك طوال الوقت، ونظن أننا فى المستقبل سوف نضحك أكثر، لكن الحزن الذى كان مصاحبا لشخصية "شادى أشرف" الذى قام بدوره الفنان أمير عيد، أثار فى نفسى شجنا، تنبهت الآن أنه كان مصاحبًا لنا أيضا منذ صغرنا، لكننا كنا نتغلب عليه بالـ ريفو.
يدور مسلسل ريفو حول "باند" موسيقى فى التسعينيات، ويرصد العديد من التحولات التى أصابت هذا الجيل بعد أكثر من عشرين سنة، ما بين المرض النفسى والهجرة وفقدان الحس الموسيقى والموت، وحده الموت الذى احتفظ بالشخصية كما هى حالمة ومثيرة للجمال.