إعلانات الجمعيات الأهلية لا تنقطع عن ملاحقتنا بصورة منتظمة، سواء في شهر رمضان أو باقي العام، بل وتستغل كل مناسبة من أجل جمع التبرعات، واستعطاف الناس، تحت فكرة معاونة المرضى وتخفيف آلامهم وتوفير العلاج اللازم لهم، وتدبير نفقات الدعم والرعاية، لكن حين تتعامل مع هذه الجمعيات على الأرض سوف ترى الروتين بكل صوره وأشكاله، خاصة إن كنت تبحث عن توفير علاج لمريض.
حينما تصل إلى الجمعية كأي مواطن عادى، يسمعونك أولا ويطلبون الإجابة على عدد من الأسئلة، واستيفاء مجموعة من الأوراق الشكلية، بالإضافة إلى التقارير الطبية التي تشرح تفاصيل المرض، وما يحتاجه المريض، ثم تحصل على رقم ملف، يتم وضعه على الرف مع عشرات الحالات، وانتظر لأشهر، حتى تجد من يتصل بك ليطلب مرة أخرى أملاً في الحصول على فرصة لائقة للعلاج.
بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية تعلن دائماً أنها توفر العلاج للمرضى في سرية تامة وبأقصى سرعة ممكنة، لكن التجربة عين الحقيقة، وقد كان لي واقعة مع أحد هذه الجمعيات لتوفير علاج لمريض سرطان، فشلت الأدوية الكيميائية في علاجه ويحتاج إلى بروتوكول جديد من العلاج لا تصرفه وزارة الصحة ولا تتحمل نفقاته، وللأسف الحالة الاقتصادية للمريض لا تحتمل نفقات هذا العلاج، فكانت نصيحة أحد الأصدقاء التوجه إلى الجمعيات المعنية بعلاج الأورام.
تم التواصل مع العديد من رموز العمل الأهلي الذين لا ينقطعون عن بث الرسائل الإيجابية عبر الفيس بوك عن البناء والتنمية، ودعم الفقراء والمساكين والمحتاجين، لكن يبدو أن البعض يفعل الخير فقط على السوشيال ميديا، ويقدم الدعم من خلف الكيبورد، وبمجرد طلب معاونة مريض أو إغاثة محتاج يتراجع الجميع خطوة للوراء، ويختفون فجأة دون مقدمات، وللأسف هذا حال قطاع كبير من المسئولين عن الجمعيات الأهلية التي تصدع رؤوسنا ليل نهار بإعلاناتها حول دعم المرضى والمحتاجين.
بعد إحضار الأوراق الرسمية اللازمة لأحد الجمعيات المسئولة عن رعاية وعلاج مرضى السرطان، لإثبات الحالة الصحية للمريض، والأدوية التي يحتاجها، حصلنا على "كود"، مكون من مجموعة أرقام، طلبت الجمعية الحفاظ عليه، وكأنه الرقم المعتمد لدخول "الجنة"، ومنذ هذه اللحظة، لا حس ولا خبر ولا اتصال ولا سؤال ولا أي شيء، وهذا أكبر دليل على أن هذه الجمعيات "فنكوش"، أغلبها يعمل من أجل الدعاية وجمع الأموال دون أن يكون لها دور حقيقي في دعم الفقراء أو المرضى ومن يحتاجون الرعاية العاجلة.
البعض يقول إن قوائم الانتظار كبيرة، وأن هناك ضغط مستمر على الجمعيات الأهلية المتخصصة في علاج مرضى السرطان تحديداً، لكن هذا مردود عليه، فهناك حالات لا تحتمل التأخير، والإهمال في صرف علاجها يعنى الموت المحقق، خاصة مع وصول المرض إلى مراحل خطرة، لم يعد يستجب معها لوسائل العلاج التقليدية، لذلك قضية قوائم الانتظار ليست أكثر من حيلة يتم الاعتماد عليها في زيادة أعداد الحالات الموجودة على الأرفف، من أجل المتاجرة بها، واستخدامها في الحصول على الدعم والتبرعات من جيوب الناس، وللحديث بقية..