اختبارات الناشئين بين تجار الوهم وحلم محمد صلاح

آلاف الأطفال يقفون وسط طابور طويل بلا نهاية فى نفس الموعد سنويًا لخوض اختبارات الأندية، وينتظر كل واحد تحقيق أولى خطوات أحلامه مع عالم الساحرة المستديرة، من خلال الالتحاق بصفوف الناشئين في النادي الذى يعشقونه أو يخضعون للاختبار فيه، وأغلب هؤلاء الأطفال يأتون من الريف والمناطق الشعبية، ويعيشون نفس الظروف بداية من النشأة فى أسرة بسيطة وصولًا إلى رغبتهم فى تحقيق النجاح باحتراف كرة القدم، واضعين نصب أعينهم تجربة نجمنا العالمى محمد صلاح لاعب منتخبنا الوطنى المحترف فى ليفربول الإنجليزى. قديمًا، كان أولياء الأمور يخشون أن يتأثر أبناؤهم من شغف الاهتمام بكرة القدم، وكانوا يطالبونهم بالابتعاد عنها والتركيز فى الدراسة فقط من أجل مستقبلهم، إلا أنه فى السنوات الأخيرة ومع الألفية الجديدة بات الأمر مختلفًا جذريًا، ووجدنا الأب والأم أنفسهم يشجعون الأبناء لممارسة الكرة، والاهتمام زاد أكبر بعد حالة محمد صلاح، فقد أصبح الكثير لديه رغبة كبيرة بأن يسير أبناؤهم على نفس الدرب للوصول إلى العالمية وحصد الشهرة والأموال. لكن للأسف ما لا يعلمه الكثير من الأهالى أو يغمض عينيه عنه هو أن اختبارات الناشئين ما هى إلا عبارة عن "مضيعة" وقت فقط، خصوصًا أن معظم فرق الأندية تتكون من مدارس الكرة والأكاديميات الخاصة بكل ناد، وبطبيعة الحال %95 أو أكثر من المتقدمين لن ينجحوا، لأنه لن يحصل على الفرصة سوى بعض الأسماء التى لا تتعدى أعدادها أصابع اليدين، كما أن ذلك لن يحدث إلا إذا كان "لاعب فلتة"، وحتى هذا بات يتوقف على طبيعة المختبر، والذى غالبًا ما يعتبر أن هذه الاختبارات مجرد بيزنس يلجأ إليه مسؤولو الأندية قبل بداية كل موسم، وينتظر فقط الحصول على المكافأة أو الراتب الشهرى. هنا يجد الأهالى والأطفال أنفسهم سقطوا فى وهم كبير، خصوصًا أنه بعد كل هذه المتاعب، يرون حلمهم مع حلم ابنهم يذهب أدراج الرياح، فبعد أن كان يحلم الطفل طوال الليل بقدوم فجر النهار من أجل الذهاب إلى النادى الذى يعشقه، سواء الأهلى أو الزمالك أو أى نادٍ آخر، يستيقظ بعدها على أكبر مقلب، لأنه لم يستطع إثبات ذاته نظرًا لضيق الوقت بسبب كثرة المتقدمين للاختبارات وغياب الأعين الخبيرة فى كل قطاعات الناشئين بالأندية لاصطياد المواهب الحقيقية بعيدًا عن المجاملات والواسطة. الأمر لم يتوقف عند فكرة ضياع الحلم، بل إن السنوات الأخيرة شهدت العديد من السماسرة الذين يبيعون الوهم لأسر الأطفال بأنهم يستطيعون تحقيق أحلامهم بإلحاق ابنهم فى النادى الفلانى مقابل الحصول على مبالغ مادية ضخمة، وفى النهاية يجدون أنفسهم تعرضوا للنصب، حيث إن هؤلاء يستغلون أن معظم الأسر فى الوقت الحالى يستهدفون تعليم أبنائهم وممارسة كرة القدم ، لأن كل شغفهم- من وجهة نظرهم- أن المستقبل مع عالم الساحرة المستديرة من أجل جنى الأموال والثراء السريع، ويستغلون فى ذلك شهرة محمد صلاح ، نظرًا لتعلق الكثير من الأطفال به، كما أشرت سابقًا. السؤال الذي يتصدر المشهد هنا: هل اختبارات الناشئين بالأندية تستهدف الكشف عن المواهب أم أنها تحولت لمجرد سبوبة موسمية؟! بالتأكيد أنه من المتعارف عليه أن فكرة الاختبارات جاءت من أجل اكتشاف المواهب الصغيرة من بين المئات المتقدمة، لكن الأمر تحول تدريجيًا إلى "سبوبة" فى كل الأندية من أول ظهور الوكلاء إلى معظم المدربين فى هذا القطاع الذين حولوا أحلام الأطفال إلى كوابيس بسبب الواسطة والمجاملات وتقاضى الأموال فى بعض الأحيان لتمرير فلان على حساب علان، حتى تحولت الأندية الكبيرة مثل الأهلى والزمالك تحديًدا تدريجيًا إلى "مقبرة" قتل المواهب التى تذهب سنويًا لتحقيق حلمها باللعب فى صفوف الناشئين. ماذا بعد؟! الأمر يحتاج إلى توجيه عدة رسائل وأسئلة إلى أولياء الأمور ومسؤولي الأندية والاتحاد الرياضية، من أجل الوصول إلى أفضل روشتة لحماية أبنائنا ووضعهم على الطريق الصحيح في مشوار رسم مستقبلهم. نبدأ بسؤال إلى أولياء الأمور: هل إجبار أبنائنا على ممارسة الكرة يصنع أجيالا جديدة قادرة على بناء المستقبل؟ بالتأكيد لا، حيث إن المنطق يقول: "فكرة الإجبار فى حد ذاتها تأتى بنتائج عكسية".. فالبحث عن الثراء السريع دون النظر إلى رغبة الطفل نفسه فى تحديد مستقبله "خطيئة كبرى". محاولات الأهالى لرؤية أبنائهم مثل محمد صلاح أمر جيد، لكن فى حال التمتع بالموهبة الكروية، فلا يجب أن نفعل مثل بعض شيوخ التطرف الذين يخرجون من حين لآخر بفتاوى شاذة، ويصل بنا الحال وكأننا نقول: "تقليد محمد صلاح واجب شرعى". وهنا يجب أن يعى الأهالى أن تقليد محمد صلاح ومحاولة السير على دربه لا يقتصر فقط على الكرة، فمثلًا إذا أجاد العامل البسيط أو الدكتور أو المهندس والعالم وغيرهم، واستطاعوا تحقيق إنجازات بنطاق عملهم تساهم فى رفع اسم بلادهم عاليًا، فهذا أمر أكثر من رائع، ولا بد أن يكون هدفا نسعى إليه جميعًا. هذا ليس معناه أننى أطالب الأهالى بعدم فتح الباب أمام أبنائهم لممارسة اللعبة، على العكس تمامًا، فيجب منحهم الفرصة لتفريغ طاقتهم فى الرياضة، لكن لا بد فى الوقت نفسه من ترك فرصة اختيار مشوارهم المستقبلى للموهبة ولهم، وهذا ينطبق على أى مجال حياتى آخر سواء فى الطب أو الهندسة إلخ. أما بالنسبة لمسؤولي الأهلى والزمالك وكل الأندية والاتحاد الرياضية فإذا أردوا التصدى لغول ارتفاع أسعار اللاعبين الجنونى الذي يسيطر على المشهد حاليا وصناعة أبطال، فلابد أن يستنسخوا تجربة كشاف المواهب في كل المحافظات مثلما كان يحدث فى الزمن الجميل، وأن تكون الاختبارات قائمة أسس وقواعد يتم عليها تقييم المواهب الصغير، حتى لا يقعوا فريسة لأصحاب النفوس الضعيفة والمصالح والواسطة والباحثين عن تربح غير شرعى. قبل كل ذلك يجب أن يكون المسؤولين عن الرياضة في الأندية والاتحادات النية الحقيقية للاهتمام بقطاع الناشئين واصطياد المواهب لمصلحة المنتخبات الوطنية وأنديتهم قبل مصلحتهم الشخصية.. "مصلحة ومستقبل أولادنا والرياضة المصرية من وراء القصد".



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;