الكل يسأل متى تتوقف الحرب الروسية الأوكرانية، ومتى تعلن موسكو انسحابها بعد أكثر من 4 أشهر في عمر هذه الحرب؟ الحقيقة السؤال الأهم الذي يجب أن تكون إجابته حاضرة يدور حول المبررات التي تدفع روسيا للانسحاب أو التراجع عن هذه الحرب، وسحب قواتها والعودة لفترة ما قبل 24 فبراير 2022، والإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى المزيد من الشرح والتحليل، لنفهم طبيعة الصراع، والعوامل التي تحكم مساره.
روسيا لديها العديد من الدوافع لاستمرار الحرب فى ظل الحصار الذي يقوده العالم ضدها، ومحاولات تدميرها اقتصادياً، وعزلها عن طريق العقوبات الجماعية من جانب أوروبا وأمريكا، وهذا بدوره يدفع موسكو أن تنطلق في خطتها نحو حصار المدن الرئيسية والاستيلاء عليها، بل وضمها إلى روسيا إن جاز الأمر، كما حدث في جمهوريتي دونيتسيك ولوجانيسك اللتان تتبعان الاتحاد الروسي في الوقت الراهن.
وقوف دول أوروبا وأمريكا مكتوفة الأيدي أمام مجريات الحرب، وعدم قدرتها على المواجهة العسكرية مع روسيا، واقتصار دورها على توفير المساعدات، شجع موسكو على استمرار خطتها نحو تضييق الحصار على كييف، والسيطرة على الموانئ وأهم مناطقها الحيوية في الجانب الشرقي من البلاد، الذي يشمل ثروات كبيرة، تتعلق بالحديد والفحم، والأراضي الزراعية، وهذا بالطبع يمنح روسيا موقفاً أقوى من قبل، وقدرة أكبر للضغط.
بالحسابات المنطقية وقواعد المكسب والخسارة لا أجد مبرراً لروسيا في التراجع عن خطتها لاحتلال الجانب الشرقي من أوكرانيا، خاصة مع الصعود الاقتصادي الكبير الذي حققته موسكو منذ أيام الحرب الأولى، وتحول الروبل إلى العملة الأفضل عالمياً من حيث الأداء خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، فقد حقق مكاسب تزيد عن 15% منذ اندلاع الحرب حتى اليوم، وبعدما كان الدولار الأمريكي يعادل 75 روبل قبل بداية الحرب، يساوى اليوم 54 روبل فقط، وهذا يشير إلى مكاسب كبيرة وقوة غير مسبوقة للروبل في السنوات العشر الأخيرة.
الحرب بالنسبة لروسيا ليست مدمرة للاقتصاد كما تروج التقارير الأمريكية والأوروبية عبر وسائل الإعلام، بل تحولت إلى فرصة ليدرك العالم أهمية موسكو في توفير الغذاء وسلاسل الإمداد لعشرات الدول حول العالم، على رأسهم أوروبا، التي باتت متاجرها خاوية، نتيجة تبعات الحرب، وتعاني من تضخم صارخ لم تشهده منذ نصف قرن، وسوف يستمر هذا التضخم باستمرار هذه الحرب، لذلك إن كانت أوروبا ومعها أمريكا تخطط لإنهاء هذه الحرب يجب أن يجلسوا مع موسكو على مائدة التفاوض، واحترام سيادة وسيطرة الدب الروسي على أراضيه، وتعهدات واضحة مكتوبة بعدم دخول أوكرانيا إلى حلف الناتو، دون ذلك لن تنتهى الحرب.
لا أظن أن الحرب تمثل لروسيا تكلفة اقتصادية كبيرة أو ستدفعها يوماً إلى الإفلاس أو عدم القدرة على الاستمرار فيها، كما يروج البعض، فالموقف ليس أكثر من جزء محدود من الجيش الروسي، الذي يعتبر ثاني أقوى جيوش العالم، كما أن ما يقوم به في أوكرانيا يتم بشكل اعتيادي في خطط التدريب التي يجريها بشكل دوري، فلا أرى في هذه الحرب إلا أن أنها مجرد تدريبات عملية للقوات الروسية على مواجهات أكبر وأضخم محتملة خلال الفترة المقبلة، ولن تؤثر بأي حال على قدرة روسيا في تحقيق أهدافها.