"أهم شىء الرضا والقبول"، جملة كانت تتردد على مسامعنا حين يتقدم شاب لخطبة فتاة، فى إشارة للاكتفاء بالرضا والقبول فقط، وربما تطرقوا إلى الوضع المادى أو الاجتماعى لاكتمال الرضا ويعلو صوت الزغاريد، ولكن مع ظهور حوادث عدة أثارت انتباه الرأى العام فى الفترة الأخيرة ومعظمها فادح وتناقلتها وسائل إعلام خارجية، وكان محور الأحداث فيها العلاقات العاطفية والأسرية والتى كان الخلل الفكرى فيها عامل مشترك، وعلى الأغلب هو رفض أحد الأطراف للطرف الآخر، الأمر الذى لفت الانتباه لأبعاد عدة، قد تم طرحها من قبل ولكن فى سياقات منفصلة، حول دور البعد النفسى للشخص الذى يعرض الزواج، وما درجة توافقه مع الطرف الآخر، فلا يجب الاكتفاء بالرضا وقبول وضع الطرف الآخر قدر معرفة جميع جوانبه النفسية وعرضه على اختبار نفسى قبل الزواج.
فالأحداث المتتالية المتسارعة والتى تسببت فى فقد الكثيرين لحياتهم أو لإفقاد أحبائهم حياتهم تحتاج منا جميعاً إلى وقفة لمعرفة أسبابها وتداعيتها الحالية والمستقبلية، ولم يتم ذلك إلا بفهم صحيح لحدود وأبعاد المشكلة من جذورها، الأمر الذى يحيل لدراسات اجتماعية ونفسية فى سياقات منفصلة فى المجتمع المصري، بناء على الأبعاد الثقافية والجغرافية المختلفة.
وبعيداً عن تشخيص الموضوع فى حادثة بعينها، يجب أولاً فهم أنواع العلاقات وسبب اختلافها، والأبعاد النفسية لكل منها، الأمر الذى يشترك فيه الكثير فى بعدين أو ثلاثة على الأكثر، منها الرفض وأيضاً التجاهل، وأخيراً الكره بعد علاقة قوية.
البعد الأول قائم على علاقة نفسية غير سوية لا تقبل الرفض، وبالتالى يتحول إجراؤه الفعلى والنفسى فى محاولة الاستئثار بالشريك لأقصى درجة، حتى وإن كان فيها تشويه أو إنهاء لحياته، تلك المشكلة تنطوى على بعد نفسى بالغرور المبالغ فيه والذى يتم تنشئته فى الفرد بعوامل داخلية وخارجية عدة، تحتاج لدراسة متمعنة ومتخصصة لمحاولة تلافيها مستقبلاً، البعد الثانى متمثل فى وجود شخص يهتم بطرف آخر ويحاول لفت انتباهه، ومصارحته بمشاعره، وحينما يقابل بالتجاهل يحاول لفت نظره من جديد بشتى الطرق، ولكن بوسائل أكثر فداحة لمجرد إثبات مشاعره، وهو الأمر الذى يتحول إلى النقيض تماماً، أما البعد الثالث المتمثل فى الكره بعد علاقة حقيقية، فهو ناتج عن عدم قدرة الشخص نفسه على تقبل الرفض، ومحاولة الاستئثار بالطرف الآخر دون غيره، مما يتسبب فى حوادث كما نراها.
المشترك بين كل تلك القضايا هو العاطفة، وعدم قدرة الفرد على التحكم فى أفعاله التى تسلبها العاطفة من أى عقلانية أو حكمة بشرية، الأمر الذى يحتاج لوقفة لأعمال الجانب النفسى من قبل المتخصصين لمحاولة حل تلك المشكلة، واتخاذ إجراء عاجل وحقيقى بشأنها، وليس فقط مجرد تنويهات على صفحات الوسائل الإعلامية المتعددة.
ومن هنا.. لابد أن يتم دراسة وجود اختبارات حقيقية للمقبلين على الزواج، من قبل متخصصين وإنشاء مراكز مشتركة ما بين مؤسسة الأزهر والصحة والتعليم العالى من خلال مراكزه البحثية فى علم النفس والاجتماع، لتفعيل وإنشاء تلك المراكز التى أصبح وجودها شيء ضروري، من حيث الاهتمام ببناء الإنسان وتنشئته بالوجه اللائق لمكانة مصر والمصريين، فهى ليست بمثابة إجازة بالارتباط من عدمه، ولكنها محاولة لاستكشاف الأبعاد النفسية للمرتبطين قبل وقوع أحداث مؤسفة فيما بعد.
وأخيرا.. فإن نجاح تلك الدراسة سيؤدى إلى تعديل سلوك بعض الأشخاص ومحاولة التأثير على الجيل اللاحق بأخلاق جديدة يتقبلها المجتمع، لأنها قائمة على الود والرحمة والتفاهم.