ربما كان التزامن بين انطلاق الحوار الوطني، والاحتفال بذكرى ثورة 30 يونيو، أحد العلامات الهامة، التي عكست ارتباط "الجمهورية الجديدة"، بتحقيق التوافق السياسي والمجتمعي، بدءً من يوم ميلادها، وحتى اللحظة الراهنة، خاصة وأنه السنوات الـ9 الماضية، كانت بمثابة عملية متكاملة لما يمكننا تسميته بـ"بناء الحوار"، عبر إشراك العديد من الفئات، كل على حدة، في عملية حوارية، تهدف أولا إلى اطلاعهم على حجم التحديات التي تواجه الدولة المصرية، لضمان مشاركتهم الفعلية، فيما يتعلق بمجابهة تلك التحديات، بالإضافة إلى كونها بمثابة فرصة لإعداد الكوادر المؤهلة من كافة الفئات المجتمعية، سواء الشباب أو المرأة، أو ذوى الهمم، للتحاور فيما بينهم، من جانب، أو مع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني من جانب أخر.
ولكن بعيدا عن التزامن بين الحوار وذكرى ثورة المصريين في 30 يونيو، والذي تناولناه في مقال سابق، يبقى توقيت الحوار المتزامن مع العديد من الأزمات التي يشهدها العالم، وفي القلب منه مصر، أحد أهم المفارقات الجديرة بالاهتمام، والتي تعكس رغبة عارمة في بناء حالة من الاستقرار المجتمعي، عبر إشراك كافة فئات المجتمع في مجابهة الأزمات، التي تحمل قدرا كبيرا من الاستثنائية، سواء فيما يتعلق بتداعيات الأزمة الأوكرانية، وما ترتبط به من قضايا الأمن الغذائي وأمن الطاقة، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية العالمية المتأزمة، إثر تواتر الأزمات، بدءً من تفشي الوباء، والإجراءات التي ترتبت عليه، ثم المعركة الدائرة حاليا في أوكرانيا، لتضع دول العالم، باختلاف إمكاناتها في مواجهة أزمة حقيقية.
وبين عمليتي "بناء الحوار" و"بناء الاستقرار"، نجد أن ثمة حالة من الانسجام، بين كافة السياسات التي تتبناها الدولة المصرية في السنوات الماضية، فالحوار الوطني الجاري هو ثمرة لحوارات عديدة، اشتركت فيها كافة الفئات منذ 30 يونيو، والتي تهدف في مجملها تحقيق الاستقرار والاستفادة من الخبرات، التي تتمتع بها الكوادر المؤهلة، في التعامل مع التحديات، وهو ما لم يقتصر على المصريين فقط، وإنما امتد لاستضافة الأجانب في مختلف القطاعات، وهو ما يبدو في التحول الذى شهدته مؤتمرات الشباب، والتي ارتبطت بانطلاق الجمهورية الجديدة، لتصبح فيما بعد "منتدى شباب العالم"، والذي فتح الباب أمام حوار أوسع مع شباب الدول الأخرى والاستفادة من خبراتهم في مختلف المجالات.
ولعل التركيز طيلة السنوات الماضية، على العديد من الفئات التي عانت تهميشا كبيرا في العهود السابقة، كالشباب، والمرأة وذوى الهمم، يمثل في جوهره إدراكا عميقا من قبل الدولة المصرية، في إطار جمهوريتها الجديدة، ليس فقط بأهمية الدور الذي يمكنهم القيام به، في قيادة عملية التنمية، وإنما أيضا لدروس الماضي القريب، إذا ما وضعنا في الاعتبار حقيقة مفادها أن الشباب والمرأة كانوا بمثابة الوقود الذى أشعل "الربيع العربي" أولا، بينما كانوا في مقدمة صفوف الثائرين في 30 يونيو، لاستعادة دولتهم، من براثن التطرف، وتصحيح الأوضاع، بعدما آلت الأمور إلى الفوضى، وهو ما يعكس طاقتهم، والحاجة إلى توظيفها بما يخدم مصالح البلاد ومواطنيها.
الانسجام في خطوات الدولة الهادفة إلى "بناء الاستقرار" لا يقتصر على الداخل، وإنما كانت أحد أعمدة دبلوماسيتها الإقليمية، وهو ما بدا في العديد من القمم والاجتماعات، التي عقدتها في إطار تحويل المنافسة إلى صراع، وهو ما يبدو في العديد من المشاهد، أبرزها القمم الثلاثية، أو العمل الدؤوب على توجيه الأنظار نحو التحديات المشتركة، على غرار الأزمة الأوكرانية، والعمل على مجابهتها، عبر توحيد المواقف، مما يساهم في تعظيم المصالح المشتركة، على حساب الخلافات البينية، وهو ما يساهم في تحقيق التوازن الإقليمي خلال المرحلة الراهنة.
وهنا يمكننا القول بأن الحوار الوطني هو خطوة مهمة في عملية شاملة، تهدف إلى "بناء الاستقرار" سواء في الداخل، عبر إشراك كافة الفئات عملية حوارية، تهدف إلى تحقيق أكبر قدر من التوافق، فيما يتعلق بالأزمات المحيطة، من جهة، أو في الخارج عبر حوار إقليمي تخوضه مصر مع كافة الدول لتوحيد المواقف فيما يتعلق بالقضايا المشتركة.