قبل العام 2019 لم أكن أفكر في التقديم لجوائز الصحافة، ارتباطاً بطبيعة عملي كمحرر للأخبار على مدار 16 عاماً، كان كل اهتمامي في كيفية جلب الأخبار، وجمع المعلومات، دون العمل على إنتاج تحقيقات متكاملة، أو تحليلات تقدم رؤية مختلفة ووجهات نظر متعددة، وفي حوار مع الذات، شجعت نفسي لكتابة موضوعات معمقة، تصلح موضوعاً للمنافسة في جائزة كبيرة ومهمة مثل جائزة الصحافة المصرية، التي ترعاها نقابة الصحفيين، وتعتبر أهم وأقدم جائزة للصحافة في مصر، وقد جاءت الفرصة سانحة تماماً، عندما تم ترتيب زيارة إلى محطة لينينجراد النووية في الشمال الروسي، وهيأت نفسي حينها ورتبت كل احتياجاتي للفوز بجائزة "التغطية الخارجية"، وقد شرعت في وضع تصور للأسئلة التي أبحث عن إجاباتها، والمصادر التي أحتاج إليها، والصور والفيديوهات المطلوبة لدعم القصة.
سافرت من القاهرة إلى موسكو، حيث كانت شركة "أتوم ستروى إكسبورت" الموكل إليها بناء محطة الضبعة النووية المصرية، والمقاول الهندسي لشركة "روس أتوم" المسئولة عن المشروع بالكامل، وقد تمت العديد من اللقاءات داخل الشركة، تم خلالها التعرف على المفاعلات النووية وطبيعة عملها، ووسائل الأمان الموجودة فيها، والتكنولوجيا الحديثة التي تعتمد عليها، ودورها في إنتاج الطاقة النظيفة، وكان الشرح عن طريق مجسمات يتطابق تصميمها مع المحطات الحقيقية.
سافرت من موسكو إلى مدينة سانت بطرسبرج، التي تقع ضمن حدودها مقاطعة لينينجراد، ومدينة "سوسنوفى بور " الصغير ة التي توجد بها المحطة النووية المخطط زيارتها، وتطل مباشرة على الخليج الفنلندي، مع العلم أن الرحلة لم تكن سهلة على الإطلاق، فقد كان برنامج الزيارة مضغوط في عدة أيام، والأماكن المنتظر زيارتها متعددة وتقع بمناطق متفرقة، بالإضافة إلى تعرضي لحالة إعياء، نتيجة ظهور "خراج" تحت الإبط بحجم كبير، كدت أفقد معه قدرتي على تحريك ذراعي الأيسر، الذي للأسف أستخدمه في الكتابة "أشول"، ولم يكن بمقدرتي الحركة إلا من خلال المسكنات القوية، وبعض الكريمات التي نجحت في شرائها من أحد الصيدليات بمدينة سوسنوفي بور، ومع السيطرة على آلامي، استطعت تدوين كل ما رأيته من مشاهد وتفاصيل ومعلومات في دفتر كبير يقترب من المئة صفحة – أحتفظ به حتى الآن - رصدت خلاله كل التفاصيل التي شاهدتها داخل المحطة النووية، بداية من إجراءات الدخول وبصمة العين، حتى غرفة الأسرار المسئولة عن إدارة المفاعل والتحكم فيه.
رجعت القاهرة في صباح الثاني من أغسطس 2019، وقد تضاعفت معاناتي مع "الخراج"، ورغم ذلك بدأت كتابة حلقتين للموضوع ، الذى اخترت "الطريق إلى الضبعة يبدأ من لينينجراد" عنواناً له، وبعد جهد مضاعف استمر لأكثر من 7 ساعات متواصلة، انتهيت من كتابة ومراجعة الحلقات بشكل كامل، التي وصلت إلى حوالى 4 آلاف كلمة، تمهيداً لنشرها في " انفراد"، وبعد انتهاء الكتابة، بدأ الألم يحاصرني، خاصة أن "الخراج" بدأ ينذر بضرورة إزالته، فقد احتملني طيلة الرحلة، لكنه أبى أن يتم التخلص منه إلا بمشرط الجراح، الذى أخبرني بمجرد قدومي إلى المستشفى أنه يحتاج جراحة عاجلة، وقد تصور ت حينها أن الأمر سهلاً، لكنني شعرت بألم رهيب مع أول لمسة من مشرطه الحاد، وظللت على هذه الحالة لمدة 45 دقيقة، شاهدت فيها كل ألوان العذاب.
بعد إتمام العلاج والشفاء، تقدمت لنقابة الصحفيين بملف موضوع الجائزة لأول مرة، وقد تم إعلان النتيجة في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر 2020، وهذا كان كفيلاً بأن يحمسني ويرفع معنوياتي، لدرجة قررت معها إعداد موضوع لجائزة العام المقبل في فرع المقال الاقتصادي "جائزة سعيد سنبل"، ولحسن الحظ كان ذلك قبل نهاية العام بأربعة أيام فقط، وكان المقال عبارة عن سلسلة من 4 حلقات، في الفترة من 28 إلى 31 ديسمبر، حملت عنوان "الاستثمار العقاري وقراءة في دفتر الأرقام"، وحتى نفهم مدلول الأيام، دعني أخبرك بأن التأخر ليوم واحد في الكتابة كان يمنعني من المشاركة، فالشرط الأساسي أن يكون العمل الصحفي مكتوب من مطلع يناير حتى نهاية ديسمبر خلال العام السابق للإعلان عن الجائزة.
في مطلع ديسمبر 2021 تم إعلان نتيجة جوائز الصحافة المصرية، واختيار مقالي للفوز بجائزة سعيد سنبل، لتتأكد لدى فكرة راسخة وهى أن الجائزة الأولى كانت سبباً في الثانية، والنجاح يدفع إلى المزيد من النجاح، ودافع لكتابة موضوعات صحفية مميزة، قادرة على المنافسة أمام لجنة تحكيم محايدة، لا تعرفها ولا يتدخل أحد في شئونها، ومع ذلك ترجح كفة ما تكتب رغم المنافسة مع العشرات من الزملاء الصحفيين، لذلك أتصور أن الجوائز تجربة مهمة لإعادة شحن المعنويات وباعث علي التميز ، يفرض على صاحبه دائماً مستوى مختلف من الموضوعات والقضايا التي يطرحها ويناقشها.