بعد الثورة ظهرت «مؤسسات البلطجة» وظاهرة «الطرف الثالث» التى ارتكبت كل أنواع الموبقات
السبب الجوهرى الذى دفع بالبلاد إلى هذه الحالة المزرية، من فساد مستشرٍ، واندثار للقيم الأخلاقية والوطنية من صدور الناس، هو الاستفحال فى استخدام المسكنات والمراهم لعلاج الأزمات والمشاكل، والتهرب من العلاج والمواجهة، ودفن الرؤوس فى الرمال، والتخفى وراء أقنعة الطهر والنقاء الوضاء، زيفا وبهتانا.
شعب متدين بطبعه، وتحكمه منظومة أخلاقية، يعلو فيها شأن مصطلحات «العيب والصح والخطأ»، كانت هذه المصطلحات هى السائدة والمسيطرة على ألسنة المصريين فى مختلف العصور، وعندما نُسقط هذه الخصال على الأرض تكتشف أنها وهم وسراب، لا وجود له، والدليل أنه عندما أخرجت 25 يناير 2011 كل المخزون الاستراتيجى من هذه القيم، اكتشفنا إصابتها بالعطب والعفن، وأصبحت سلعة فاسدة.
وإذا كان المخزون الاستراتيجى من شعارات المنظومة الأخلاقية قد أصابها التلف والعطب، فلا غرابة أن تجد مليون ناصر الدسوقى الذى جسده الفنان محمد رمضان فى مسلسل الأسطورة، وعشرات الفاسدين الذين تلقى القبض عليهم الأجهزة الرقابية يوميا وتضم ضباطا وأمناء شرطة ومسؤولين وموظفين كبارا، ولكم فى عصابة «الدكش» بقرية الجعافرة بمحافظة القليوبية أسوة سيئة، حيث استمرت هذه العصابة فى الاتجار بالمخدرات، وممارسة كل أنواع البلطجة، بمساعدة ضباط كبار طوال 30 سنة.
إذن لا فرق بين «الدكش» وناصر الدسوقى، فهما وجهان لعملة واحدة، عملة الفساد المستشرى، الذى طال كل شىء وعلى رأسها الأخلاق، لذلك الذين يهاجمون مسلسل الأسطورة الذى يحظى بمتابعة غير مسبوقة، وتأثر بعض الشباب بشخصية «ناصر الدسوقى» التى يؤديها محمد رمضان بشكل عبقرى، سواء من خلال ممارسة نفس الفعل الإجرامى، أو شكل اللحية، إنما هؤلاء لديهم القابلية للفساد، وأن شخصية ناصر الدسوقى ما هى إلا حالة مستنسخة من الشارع المصرى، فلماذا نصرخ وندفن رؤوسنا فى الرمال؟ ولماذا إلقاء الاتهامات الكاذبة على مسلسل الأسطورة بأنه يدشن لأعمال البلطجة؟ وهل مذبحة كرداسة كان يقف وراءها الفنان محمد رمضان؟ وهل حرائق الكنائس والتمثيل بجثث الأبرياء فى المنيا، وإلقاء الأطفال من فوق أسطح منازل الإسكندرية، وحرق المنشآت العامة، وتخريب المرافق العامة، وارتكاب مذابح رفح الأولى والثانية والكتيبة 101 ومذبحة كرم القواديس، كلها تسبب فيها محمد رمضان؟
بل هناك دراسة اجتماعية كشفت أن بعد 25 يناير 2011، ظهر ما يسمى «مؤسسات البلطجة» وظاهرة «الطرف الثالث» التى ارتكبت كل أنواع الموبقات، فزادت معدلات الجرائم بشكل عام، ونقلت صحيفة «الفايننشيال تايمز» أن معدل الجريمة فى مصر بعد الثورة زاد 3 أمثال ما كان عليه قبل ثورة يناير، فقد ارتفع عددها من 774 جريمة عام 2010 إلى 2144 جريمة عام 2012. وقالت الصحيفة إن جرائم كانت تعد نادرة مثل الخطف لطلب فدية ارتفع عددها من 107 عام 2010 إلى 412 عام 2012، وارتفعت سرقة المنازل من 7 آلاف و368 حادثة عام 2010 إلى 11 ألفا و699 عام 2012، كما ارتفع عدد جرائم سرقة السيارات بين العامين بمقدار يزيد على أربعة أضعاف، بجانب التزايد الملحوظ فى وقائع التحرش الجنسى، وأكدت الصحيفة أن موجات العنف التى شهدتها مصر بعد الثورة لم تشهد له مثيلا عبر تاريخها الحديث والمعاصر، ما أدى إلى زيادة كبيرة فى معدلات الجريمة بكل أنواعها، وهو ما يعد خللا جسيما فى التركيبة النفسية لأمة اعتبرت لفترة طويلة خالية من جرائم العنف.
كما كشف باحثون بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة أن هناك مشكلة حاليا تتمثل فى لجوء الناس للتعبير عن أنفسهم بالعنف وارتكاب الجرائم، تحت زعم أن ذلك ممارسة لحرية التعبير عن الرأى، وعدم إدراك أن ما يرتكبونه لا يندرج تحت ما يسمى «الجريمة»، وأن الناس اعتادت على مشاهدة مشاهد العنف والدماء.
تعالوا نتحلّ بالشجاعة، ونُعلِ من شأن الحقيقة، ولا ندفن رؤوسنا فى الرمال كالنعام، ونعترف بأن هناك مشكلة حقيقية، وأن مسلسل الأسطورة عبارة عن ناقوس خطر ينبه الحكومة والأجهزة المعنية بضرورة حشد كل قوتها لدراسة الحالة ووضع روشتة علاج فاعلة وسريعة لها، بديلا عن الهجوم على المسلسل، وعدم الاعتراف بالمشكلة ودفن رؤوسنا فى الرمال كالنعام.