ما أفضل ما يصيب الإنسان، إنه "الستر" وفى اللغة الستر بمعنى الحجب والإخفاء، وبالطبع فإن هذه الكلمة عندما تغادر المعاجم وتستقر بين الناس وتدخل فى سياقات مختلفة، فإنها تكتسب دلالات قد تكون قريبة أو بعيدة عن اللفظة التى كانت "ثابتة" فى المعجم.
بالطبع إن خير الستر هو ستر الله، لأنه سبحانه وتعالى عالم بكل شيء، بما نخفى وما نعلن، لذا فإن ستره علينا من باب تفضله على خلقه، وهو سبحانه وتعالى يستر علينا فى كل شيء، فيما نشعر به من عجز وفيما تحدثنا به أنفسنا من أمور سوء.
أما الستر بين الناس فهو أمر مرتبط فى معظم الحالات "بالحاجة والعوز" فنقول مثلا فى التراث الشعبى إن "الحياة تسير بستر الله" أى أن يومنا يكتمل بما يوفره الله لنا من رزق لولاه لانكشف كل شيء وظهر عجزنا وقلة حيلتنا فى مواجهة ظروف الحياة الكثيرة المتعاقبة.
ونقول أيضا فى تراثنا الشعبى "ستر بناته" أى زوجهن، وذلك لما فى الزواج من باب جديد لبدء حياة جديدة قائمة على الخير واستمرارية الحياة، بالطبع لا أنكر أن فى هذه الحملة الشعبية "نوع من التقليل من المرأة والتعامل معها بوصفها عورة".
ولو ذهبنا إلى التراث الدينى سوف نجد معنى أقرب لذلك أيضا فالحديث النبوى "مَن ستر مسلمًا ستره الله فى الدنيا والآخرة" فى رأيى تدخل فيه معانى متعددة منها، الستر المادى الذى يطلق عليه التكافل الاجتماعى، ولكن فى الوقت نفسه يدخل فيه الستر المعنوى، المتعلق بالعيوب، ولكن العيوب هنا، من وجهة نظرى، تشترط أن تكون عيوبا متعلقة بالشخص ذاته، لا أن تضر الآخرين، لأن الإضرار بالآخرين معناه وجود ضحية لا ذنب لها، ولن تأخذ حقها سوى بفضح الآخر.
ما أريد قوله أن السياق مهم جدا عندما نستخدم الكلمات، وأنه لا يجوز أن نقول الكلمات على إطلاقها، فلكل مقام مقال ولكل سياق معناه ودلالته وتأثيره.