تتباهى المؤسسات الخدمية والمرافق المختلفة خلال الأعياد والمواسم والإجازات الرسمية بفكرة "رفع الطوارئ"، ومنها على سبيل المثال المستشفيات، المصانع، المخابز، أجهزة الحكم المحلي، والكهرباء، وتعلن جميعها أنها على أهبة الاستعداد لمواجهة أي طوارئ، وأنها جاهزة تماماً خلال العيد بإلغاء الإجازات ومواصلة العمل، خاصة إن كانت الإجازة ممتدة وتصل إلى نحو 9 أيام، كما هي الآن في عيد الأضحى.
الحقيقة أن رفع حالة الطوارئ في المرافق والخدمات المذكورة في السطور السابقة ليس أكثر من حبر على ورق، وعبارات اعتادنا رؤيتها وقراءتها في وسائل الإعلام فقط، بينما على أرض الواقع لا نجد شيئاً، ولو ألمت بك وعكة صحية مفاجئة لن تجد طبيب واحد في أي تخصص يعمل خلال فترة العيد، والمستشفيات الخاصة شبه خالية من الأطباء، وعياداتها الخارجية مغلقة، ولن تجد بها إلا الاستقبال، الذى قد تجد به طبيب ممارس عام أو لا، حسب الظروف، المستشفيات العامة كذلك ليست أحسن حالا مما سبق، فكل الأقسام خالية إلا من بعض التمريض والعمال، وهذا يضع أعباء مضاعفة على عاتق أصحاب الأمراض المزمنة أو من يحتاجون إلى رعاية خاصة ويذهبون إلى المستشفيات بصورة متكررة.
إذا أردت أن تتأكد من حالة الطوارئ التي يتم الإعلان عنها من خلال أخبار ومنشورات متكررة في كل عيد، حاول تفقد الشارع الذي تعيش فيه، ستجد كل ما حولك مغلقاً، بداية من محل البقالة، الذي كان يعمل على مدار الساعة في 3 ورديات متواصلة دون توقف، حتى المخابز السياحية الخاصة، والبنوك والمراكز الخدمية المختلفة، فالشوارع خالية وخاوية إلا من المقاهي والكافيهات والمطاعم والأندية، والمناطق الترفيهية.
لا أشعر بأن هناك طوارئ في عيد الأضحى، وعمل على قدم وساق، واستعداد حقيقي بأعداد غفيرة من العمال والموظفين إلا في حديقة الحيوان، التي تستقبل عشرات الآلاف من الزوار يومياً خلال فترة العيد، ما عدا ذلك أشك في إطلاق مفهوم الطوارئ، فالكل يستمتع بالإجازة، وسعداء بأنهم خارج العمل، وهذه ثقافة للأسف نعيشها خلال الوقت الراهن، ونعانى منها أشد المعاناة، لما لها من خطورة في سير العمل ومعدلات الإنتاج.
لا أتفق مع قرار الحكومة بأن تكون إجازة العيد أسبوع كامل، فهذه فكرة لم تكن موجودة من قبل ولم نعرفها إلا عبر السنوات القليلة الماضية، على الرغم من أن الوقت الراهن نحتاج خلاله إلى رفع معدلات العمل إلى أقصى درجة، والسعي والحركة والإنتاج بصورة تضمن الحفاظ على معدلات النمو عند الحدود المعقولة والمقبولة في عالم يعاني أزمة اقتصادية طاحنة، سبيل الخروج الوحيد منها هو العمل والإنتاج وتقليل الفجوة بين الصادرات والواردات وتوفير السلع الأساسية وتقليل الاستهلاك، والتقشف الحكومي، وقبل ذلك كله الوعى العام، الذى يضبط كل ما سبق ويعتبر ضمانة حقيقية لنجاح أي جهد في سبيل حل هذه الأزمة العالمية، التي باتت تبعاتها متجلية على العالم كله، ولا تفرق بين الدول القادرة الغنية، وتلك التي تصنف باعتبارها العالم الثالث.