مما لا شك أن أخطر الصناعات وأجلها هى صناعة الإبداع، فهى لا تأتى إلا من خلال عمل دؤوب لبناء الإنسان أولا، ومن خلال خوض المعركة الأشرس ألا وهى معركة الوعى، وأعتقد أن الدولة المصرية الآن تخطوا خطوات ثابتة ومهمة لبناء الإنسان، وذلك من خلال تسخير كافة الطاقات والسبل والإمكانيات، وهذا ما نراه في استراتيجية ورؤية مصر 2030 التي تنشد بناء الإنسان والدولة معا.
والمقدر، أن الدولة أدركت أهمية صناعة الوعى خلال السنوات الماضية، حيث اتخذت كثيرا من الوسائل والأدوات لتحقيق ذلك، وأبرزها اتخاذ الدراما والإعلام سلاحا فى معركتها نحو البناء من جهة، وفى مواجهة أفكار التطرف والشائعات ومخططات الإرهاب من جهة أخرى، وكلنا نرى المجهودات الإعلامية المقدرة من خلال تقديم أعمال درامية غير مسبوقة كان لها عظيم الأثر فى تشكيل الوعى خلال الفترة الماضية، وصنعت الفرق لصالح الدولة المصرية.
وبما أن قضية الوعى تعد أحد الأفكار المحورية لتقديم حلول لمشكلات قائمة أو تحقيق قيمة مضافة للمجتمع، لذلك أرى أن تطوير المواهب واكتشافها بداية حقيقية لتأسيس صناعة حقيقية للإبداع، متمنيا أن يكون العمل على هذا الملف من خلال رؤية شاملة واستراتيجية قوية، لأننا لا نريد اكتشاف حالات فردية، إنما نريد أن نؤسس لإنتاج صناعة رسمية محترفة لكشف المواهب والمبدعين وفق ضوابط ومعايير حقيقية.
وأعتقد، أن أول خطوة يجب أن نلتفت إليها لو أردنا فعلا النجاح، أن نتجاوز مبدأ الجمهور عاوز كده، فعلينا الاهتمام بالارتقاء بالذوق العام، وأن نعى تماما أن هذا المبدأ هو سر تدمير الإبداع في المجتمع لعقود طويلة وسبب رئيسى للتسطيح الفكرى الحادث الآن في كافة مجالات الفن والإبداع.
ومن الأمور أيضا التي يجب الانتباه إليها، أن نكف عن مقولة ومنهج، الفن مرآة الواقع، فالإبداع والفن سلاح مهم في معركة الوعى وتثقيف الأجيال، وانتشالها من مستنقعات الفكر وعشوائية الظروف، إلى الأمل في المستقبل بتصدير النموذج الصالح والقدوة الحسنة، لا تكريث الواقع الفوضى والعشوائى لهذه الأجيال من خلال منهج "الفن مرآة الواقع".
وأخيرا، يجب أن نحترس من الانزلاق في خطر تصدير مُسكنات لوعى زائف، لذلك يجب أن نسعى إلى خلق بيئة خصبة تعى قيمة الإبداع وتعمل على تحصين ثوابت الفكر وقداسة التراث، وهذا لن يحدث دون تحديث وتكامل التعليم والثقافة والإعلام، كمربع يحتوى وتنمو بداخله الموهبة المبدعة حرة آمنة واعية، قابلة للنقد والتحسين والتأصيل.