نعم أنا من الجيل الذى تأسس وتربى على أغانى شرائط الكاسيت، والمتابعة للكليبات الفنية على التليفزيون المصرى وقت السهرة أو البرنامج الأسبوعى، والتى كانت تحكى قصصا وتتناول مشاعر إنسانية مهمة ولازالت مستمرة حتى اللحظة الحالية، والمواقف التى عشناها مع كل أغنية وتأثرنا بها وأيضاً استحضارها فى كل مناسبة تذكرنا بها.
الأعمال الفنية التى عاصرت جيل وتركت علامة محفورة فى تشكيل وعى ووجدانه بالكلمة، من خلال الصوت المميز، وأيضاً المشاركة فى أعمال فنية سينمائية تخدم قضايا الواقع، جعلت هذا الجيل مرتبطا بشكل قوى بـ مطربين هذه الفترة، واشترك الفنانون مع جيل جديد وقتها من الكتاب والملحين والموزعين، بداية من أمير طعيمة وأيمن بهجت قمر ومصطفى كامل وياسر عبر الرحمن وعمرو مصطفى وخالد تاج، وغيرهم الكثيرون، خليط لا يمكن تكراره، ومشاركة الفنانين لبعضهم البعض فى دويتوهات فنية راقية بلا أى تعصب أو تحيز لأفكار شخصية أو صراعات، ما أعطى تلك الأعمال القدرة اللازمة على الاستمرار والتميز، ولا تستغرب إذا تفاجأت بأن مواليد جيل الثمانينيات على علم بكل كتاب الأغنية والملحنين لأن الكثيرون منهم تأملوا غلاف الألبوم فى كل مرة يستمعون له.
بجانب طرح القضايا العاطفية والمجتمعية فى الكليبات والأفلام والبرامج، فى محاولة إيجاد ونشر فكرة الاستقرار وحل الخلافات والنزاعات، والفنانون الذين لم يتأخروا فى تقديم أعمال تخدم قضايا مجتمعية وسياسية ووطنية، من أول الغناء للشهيد والقضية الفلسطينية والواقع المعاصر، لم يقصروا ولم يغب أحدهم عن واقعه وواقع العالم العربى والمجتمع المصرى، وسكوتهم أحياناً حتى لا يشقوا الصف.
الأجيال الجديدة قد لا تعرف جيل الكاسيت والمعاناة التى كنا نتلقاها فى سبيل الحصول على الإصدار الأصلى والأول بعد الساعة الثانية عشر ليلاً من أجل الاستماع لشريط الفنانين فور صدورها، ولا ننسى البوستر "الماستر" لكى تتزين به حائط غرفتنا، الأمر الذى كان يتسبب فى صدمة للبعض لعدم مقدرتهم فى شراء نسختين لكل مطرب خاصة لو صادف نزول ألبومين واحد لـ محمد فؤاد والآخر لمنير أو لإيهاب توفيق، فيضطرون لصنع كوكتيل من الـ"كاريزما" المركزة عن طريق تسجيل هذه الشرائط فى محلات نادى السينما المخصصة لبيع شرائط الكاسيت وأفلام الفيديو، وذلك فى شريط واحد يحمل كل وجه منه صوت مطرب مختلف عن الوجه الآخر.
ذكريات عبارة عن تسجيل كوكتيلات غنائية على شرائط الكاسيت لأعمال الفنانين المميز، مثل إيهاب توفيق ومنير وهشام عباس وعمرو دياب وحميد الشاعرى ومحمد محيى وأصالة وهانى شاكر والكثير، تبادل الشرائط مع الجيران والأصدقاء سواء لسماعها أو لتسجيلها جعلت جيل الثمانينيات يقدر قيمة الترابط بين الأصحاب والمعارف، ولهم روح حملت بهجة كل أغنية سمعوها فى هذا الوقت.
اجتماعاتنا فى المناسبات وتشغيل الكاسيت والاحتفالات المنزلية لأعياد الميلاد والخطوبة والمناسبات الدينية، لذا فكل أغنية من هذا الجيل قد عاصرت وشكلت كثير من ثقافة المجتمع وقتها، لكنها ما زالت مستمرة، على الرغم من عدم وجودها بالشكل الكبير مقارنة بأعمال فنية حديثة حالياً، لكنها قد استطاعت فرض استمراريتها وحضورها بعد كل تلك السنوات.
ويتبقى أن نقول أن جيل الكاسيت على الرغم من محدودية اهتماماته بما يحدث فى الساحة الفنية كنتيجة لعدم قدرته على المتابعة من خلال الإنترنت أو السوشيال قد استطاع أن يبرز حضوره، ويتأقلم مع الواقع الجديد فى ظل وجود مسلمات أساسية قد نشأ عليها من خلال ثقافة الكاسيت وتبادل الحب مع كل شريط نقوم باستعارته أو بكتابة مقطع أغنية تهدى لحبيب غائب، أو حتى سماع كوبليه يرجع لنا عمراً فات.