مما لا شك فيه، إذا زاد الشيء على حده انقلب إلى ضده، فعلى الرغم مما تحمله مواقع التواصل الاجتماعي من إيجابيات كثيرة لا يمكن لأحد أن ينكرها، إلا أنها في نفس ذات الوقت أشبه بسلاح فتاك، يمكنه هدم الأسر والمجتمعات (في غمضة عين) إذا أُسيء استخدامه، كونها تحمل بين ثناياها مخاطر عدة يصعب تجاهلها أو السكوت عنها.
بالطبع أثرت السوشيال ميديا وكل وسائلها الملعونة على العلاقات الأسرية بمجتمعاتنا، وساهمت في تغيير سلوك الأفراد والأبناء، للدرجة التي وصلت بنا إلى إفشاء أسرار المنازل - والتي كانت قديما من المقدسات - على الملأ وأمام الجميع للتباحث والتناقش بل والسخرية منها دون مراعاة للعادات والتقاليد وسرية التماسك والبناء، مما زاد من الفجوة بين الزوج وزوجته والأب وأبنائه والأخ وشقيقه وهكذا!، من جراء الهزلية التي اخترقت تقريبا كل الأسر المفككة والمصابة بفيروس العالم الافتراضي.
لم تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على ضعف العلاقة العاطفية بين الزوج والزوجة فحسب، بل وصل الحال إلى الجفاء بين جميع أفراد الأسرة، بسبب الانشغال بجمع اللايكات وكثرة الشير وكأنها من الواجبات والضروريات، رغم أن حفظ الأسرار من العبادات، وإفشائها من المحرمات والتي تكون عواقبها وخيمة في النهاية على الجميع دون تفرقة، فتفاقم المشكلات بالصورة التي يصعب حلها، تُعرض الأسرة للتفكك كرد فعل طبيعي لما نقوم به بأيدينا من فتح كُتب حياتنا أمام مرأى عيون النّاس لينظروا إلى ما نخفيه من أسرار وفضائح.
إن كشف الأسرار على مرأى ومسمع الناس دون الدراية بمخاطر هذه الأفعال المشينة والفاضحة، يفتح الباب أمام الفتنة وقطيعة الأرحام والتنابز بالعيوب وشيوع أخلاق النميمة وثقافة كشف العورات، وكل ذلك يهدد العلاقات الأسرية بالشقاق ويزيد من حالات الطلاق وتشرد الأطفال وغيره وغيره من النتائج المدمرة للمجتمعات.
إن تغيير ثقافة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما بين فئات الشباب والصغار، باتت مطلبا هاما وضروريا، كونها اُخترعت لتقريب الشعوب وتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية وتقليل الحواجز التي تعيق الاتصال بين الأهل والأقارب، إلى جانب معرفة أخبار العالم والتثقف بكل ما يستجد يوميا، وليس للابتعاد وركوب موجات السلبيات الغارقة، وهذا لن يتم إلا بالوعي وكشف المخاطر والمهالك لوقف ما نصنعه بأنفسنا.
وأخيرًا وليس آخرًا.. إن ستر العورات لم تقتصر على الملابس فقط، بل تشتمل على حفظ كل ما هو قيم ومتزن وثمين والابتعاد عن كل المنافذ الشيطانية الخبيثة، لأن ليس كل الناس أمناء لحفظ الأسرار، كما ليست كل الموضوعات قابلة للطرح أمام الآخرين، ولقد سن الإسلام من التشريعات ما يضمن سلامة الحياة الأسرية وتماسكها، فقال الله تعالى "فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ"، لذا علينا أن نترك ما لا يعنينا، ونحافظ على كل ما هو طيب بداخلنا، ونبتعد عن الفضفضة المحرمة لصلاح الأسرة والمجتمع.. فكونوا عقلاء يرحمكم الله.. ولنا في الحديث بقية..