تمثل القمة الخليجية الأمريكية مسارا هاما فى مسار العلاقات العربية الأمريكية عموما، فى ظل الزخم الكبير الذى سبق انعقاد القمة، متمثلا فى حجم اللقاءات العربية الثنائية على مستوى رؤساء وملوك وأمراء الدول العربية، وهو ما يفسر حضور الرئيس السيسى والملك عبد الله الثانى ورئيس الوزراء العراقى للقمة، وهو ما يؤكد الدور الذى يرغب فيه العرب متوافقين حول رؤيتهم فى التعامل مع الوافد الأمريكى، والذى تشير التقديرات بأن الحرب الروسية الأوكرانية هى التى عجلت بزيارته للمنطقة العربية، فى ظل تصريحات وأفكار ذكرها قبل توليه وبعد ذلك فى ملف التعامل مع الدول العربية، باعتبار المنطقة ليست من أولوياته حاليا، غير أن الظرف غير التقليدى الناتج عن الحرب الأوكرانية عجل من تلك القمة وظروف انعقادها.
وربما تكون المنطقة محملة بكثير من التداخلات والتعقيدات التى لا تدعم صناعة رؤى مشتركة واضحة المعالم حول عدد من الملفات، لكن الواقع الجديد يؤكد أن حجم التطور فى مستوى التفاهم بين الزعماء والرؤساء الحاليين وصل لأكثر الأشكال توافقا، ساعد فى ذلك تبادل الزيارات والتعاملات الثنائية، مما ساهم فى صناعة رؤية عربية متقاربة حول العديد من الملفات، وأهمها بطبيعة الحال التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، والتى تسعى حاليا لتوفيق أوضاعها فى المنطقة العربية بحثا عن موارد جديدة للدعم، وكذلك موارد إضافية للطاقة، وهى الملفات الأكثر إلحاحا على الساحة حاليا، مما يمهد بشكل أساسى لنتائج عربية خالصة فى المقام الأول تنتج عن القمة، وربما تغير فى مسار الأقطاب المتعددة والتى تتنازع على قيادة العالم حاليا.
من الأمور ذات الفائدة الكبيرة والتى تبشر بالمستوى فى صناعة تلك الرؤية العربية المتقاربة، هو التقارب الواضح والأساسى بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والشيخ محمد بن زايد والأمير محمد بن سلمان، بالإضافة إلى الملك الأردنى عبد الله الثانى، وتلك المقاربات فى جوهرها بين الزعماء والرؤساء تمهد لشكل عربى يتوافق حول القضايا الكبرى، وهو أمر نتائجه عظيمة خاصة فى التعامل مع ملفات مثل الطاقة وشكل العلاقات الخارجية للدول العربية، مما يعنى أن فكرة استنزاف الموارد أو استغلال الأوضاع الداخلية فى الدول العربية، لن تكون وسيلة لأى من الأطراف الخارجية لاستغلالها، بل سيكون للعرب كلمتهم فى دعم أطراف على حساب أخرى، بما يتوافق مع مصلحة المنطقة والإقليم عموما، ولو زاد حجم الثقة فيما بينهم لكان النجاح أكبر وأكبر مما يتوقعون، فى ظل وجود أطراف متصارعة على الضعف لا على القوة، وهى المرحلة الأكثر جذبا لفكرة التقارب العربى لأول مرة منذ عقود، فى ظل أشكال غير تقليدية للصراع فى العصر الحديث، ووهن واضح المعالم فى كثير من الإدارات الكبرى التى تدير دولا عظمى عالمية.