بعدما تنتهي من رواية "تماثيل الجان" للكاتبة سمر نور، والصادرة عن دار نشر المحروسة، سوف تسأل نفسك: هل نحن فى لعبة ما؟
تقدم سمر نور روايتها بحبكة مختلفة، تحمل تميزها فى داخلها، فالفصول تتوالى بين "ما رواه عمر" و"ما رواه الجني"، ومن خلال هذين الصوتين نتعرف على حياة كاملة، حياة يختلط فيها الإيمان بالعقل مع الإيمان بالخرافة.
وتقدم "تماثيل الجان" حياة لها خصوصيتها الفكرية، وهي بشكل ما معبرة عن الطبقة الوسطى وهواجسها، حيث الرغبة فى التعبير عن الذات والاهتمام بالشأن الخاص، كما أن الشخصيات مثل (الجدة، وسلمى) يكشفان عن امتداد قديم فى الأسرة المصرية، يقوم على رعاية الآخرين وتبنى أحزانهم.
في الرواية نجد "الجني" بتاريخه الممتد لسلالة الجن والبن، التي كانت موجودة قبل خلق الإنسان، وقد سكن داخل تمثال، وهو بمثابة عين الكاتبة للتلصص على الحياة، لقول ما تريد قوله عن الإنسان بشكل عام، وليس عن شخصية "دنيا" المختفية فقط، إنه "جني" يملك وعيا كبيرا، فهو ملم بالماضى ويملك رؤية للمستقبل.
أما "عمر" ذلك المأزوم الذى ينزف وحده، دون أن يرى أحد نزفه، فهو لا يستعرض حياته فقط، إنما يستعرض حيوات الجميع، فنعرف "أنيسة" وحبها و"سعد" وهروبه، و"زياد" وتحولاته الدرامية وجده الحفار المعافر، وعائلة الخواجة وأصلها القادم من الجد الطائش، وعم ضياء وموت زوجته الغريب (كيف لإنسان يدعي أنه قتل امرأته التي ماتت بصورة طبيعية عن طريق منحها المزيد من الدواء"، و"ريم" وأحلامها، و"ياسمين" وساقها الصناعية و"ليلى" وانتحارها، بل يمكن القول إن الشخصيات جميعا انتحرت بصورة أو بأخرى.
إن الأحداث فى الرواية متلاحقة ومحاطة بعالم من الأرواح والأشباح والمرض النفسي، بينما الغربة الداخلية والخارجية تغلف كل شيء، مرورا بالأم الغائبة والأب الذي يعاني آلزهايمر وانتهاء بالأحلام المحطمة والاستسلام للموت.
والرواية بالمجمل حافلة بالثقافة، فهي "معرفية" بامتياز تمنح مساحة جيدة للحديث عن ألعاب الفيديو، وتقدم معلومات عن تاريخ بعض الألعاب بعينها، وتربط بين اللعبة وشخصيات العمل، كما تملك مفهوما عن ثورة يناير وما جرى فيها، وكيف انعكست أحداثها على شخصيات العمل.
وجانب مهم فى الرواية يأتي من بنائها، حيث التداعي الحر الذي يتكشف عن الأحداث والصراعات، وهي صراعات مع الذات أكثر مما هي مع الآخر، صراعات نفسية أكثر من كونها اجتماعية، السرد مسترسل يمسك ببعضه، فـ "ما يقوله عمر" متدفق حافل بالتفاصيل وبتعدد الشخصيات مما يكشف روحا مأزومة تريد أن تأخذ من كل شيء بطرف، بينما "ما يقوله الجني" مشفوع بالثقافة الواضحة بسبب الخبرة الطويلة ومراقبة الآخرين.
والرواية مصاغة فى جملة متلاحقة، جمل تميل للقصر، بينما الحوار على قلته يحتوى فكرا أكثر مما يحتوى عاطفة، ولعل الحوار المطول بعض الشيء بين "عمر" و"ياسمين" كاشف عن ذلك، حيث الجمل القصيرة التي منحت الرواية مزيدا من الحيوية.
وفى النهاية يمكن القول إن رواية "تماثيل الجان" بعالمها المتشابك مكتوبة بصبر، ومعظم شخصياتها إن لم تكن جميعها تستحق التعاطف، لكن تظل ليلى المثال الصارخ على الفقد والخسارة.