رغم أن العالم ينظر إلى الأزمة الروسية الأوكرانية على أنها التهديد الأكبر للأمن الغذائى والسلم والأمن الدوليين، نظرا للتداعيات السلبية التى أحدثتها الأزمة على صعيد ارتفاع موجة التضخم، وإحداث توترات سياسية فى المجتمع الدولى من شأنها أن تحول العالم إلى جمرة من نار حال إطالة أمد الصراع، لكن هناك تهديدا آخر لا يقل خطورة من هذه الأزمة، وهو غضب الطبيعة بسبب التغيرات المناخية، ولهذا نواصل كتابة سلسلة مقالات نسلط الضوء عليها، من منطلق ضرورة مواصلة الوعى والتوعية، تجاه ظاهرة تعد هى الأخطر التى تواجه البشرية جمعاء، وتطلب مسؤولية تشاركية من الجميع - أفراد ومؤسسات وحكومات ودول.
نعم قضية تغير المناخ هى الأخطر الآن، فليس هناك فى كوكبنا ركن واحد بمنأى عن الآثار المدمرة لتغير المناخ، وها نحن نرى حرائق الغابات فى القارة العجوز، وحرائق فى تونس والمغرب، وجفاف يضرب نصف قارة أوروبا، حيث قررت المملكة المتحدة فرض حالة الطوارئ بعد ارتفاع درجة الحرارة ل40 درجة فى سابقة هى الأولى من نوعها، وكذلك الجفاف الذى يضرب عددا من الدول، مثل إسبانيا وإيطاليا، الأمر الذى اضطرت حكومات إخلاء بلدان من المواطنين ونزوح آلاف السكان، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، فالعالم يحترق بفعل غضب الطبيعة، ومشاهد حريق قطار فى بريطانيا واحتجاز الركاب لساعات وتحليق الطائرات فوق أجواء اليونان لإخماد الحرائق خير دليل.
والخطورة أن عواقب أزمة المناخ كما ذكر أمين عام الأمم المتحدة، أنها لن تتوقف عند حدود الكوارث البيئية فحسب، بل إنها ستمتد لتفسد كل ركن من أركان الحياة بدءا من انهيار الاقتصاد، والذى يترتب عليه انعدام الأمن الغذائى والمجاعات والفقر وانتشار الحروب والعنف بين البشر والحرمان من التعليم، وتهديد الحياة بشكل عام صحيا واجتماعيا وأمنيا، لأنه ببساطة، تغير المناخ يؤدى إلى زيادة موجات الحرارة الشديدة والفيضانات والجفاف والأعاصير والحرائق، لذلك ستظل قضية تغير المناخ من أخطر القضايا التى تهدد البشرية جمعاء فى ظل تفاقم الأزمة وأنانية العالم الصناعى والغنى من القيام بمسؤولياته تجاه المواجهة بشكل عملى بعيدا عن أحاديث وتصريحات المؤتمرات.
ومن الأمور المبشرة، ونحن نتحدث عن هذه القضية الخطيرة، يجب أن نتوجه بخالص التقدير للدولة المصرية فى تعاملها مع هذه القضية، حيث إنها ومنذ 2014 تبذل مجهودات حثيثة ومقدرة، وكان أول هذه الجهود تأسيس المجلس الوطنى للمتغيرات المناخية وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للمتغيرات المناخية 2015، غير أنها كانت من أوائل الدول التى وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ عام 1994، وكذلك بروتوكول كيوتو الذى صدقت مصر عليه عام 2005، بالإضافة إلى دورها الرائد المتمثل فى قيامها المرتقب باستضافة قمة المناخ “COP-27” فى مصر نوفمبر 2022، حيث سيكون أول مؤتمر للمناخ ينظم فى إفريقيا بعد اتفاق باريس، وهنا تقوم مصر بدور إقليمى فى قارتها الأفريقية، والتى تعد أكثر القارات تأثرًا بالتغيرات المناخية، على الرغم من أن انبعاثات القارة كلها لا تتجاوز 4% من إجمالى الانبعاثات العالمية.
وختاما، ندق ناقوس الخطر من أجل التحرك السريع لمواجهة هذا الخطر قبل أن يدفع الجميع الثمن، لأن مواجهة الظاهرة أمر لا مفر منه مستقبلا وإلا سنكون جميعا أمام غضب للطبيعة لا يعلم مداه إلا الله.