من الأمور التي نتهاون فيها عن جهل هي فكرة ترك القضايا الكبرى والأحداث التي تستدعى ردا واضحا دون أن ندرك قيمة توثيق الردود الواضحة والتي يسجلها ويوثقها ويتناقلها التاريخ، ظنا منا بأن عدم الرد هو الحل الأمثل والنموذجي، ولو كان عدم الرد المرحلى جزءا من إغلاق القضايا بدواعى " أن الناس بتنسى"، لكن في التاريخ هذا الأمر يعد كارثة عظمى، بل هي هدية كارثية نتركها لغيرنا بأريحية ودون تفكير ولو لحظات، ولذلك مع الوقت نجد أحداثا عظيمة في التاريخ لا نملك فيها إلا روايات مشوهة وغير منطقية، مما ينتج عنه فكرة أسطرة التاريخ الموازي، والمصطلح يعنى أننا نجعل من تواريخ بعينها بشكلها غير الحقيقى بمثابة أسطورة لا يمكن الاقتراب منها.
وبطبيعة حالنا مع قلة القراءة وتدهور حال المثقفين والفاعلين في المشهد العام، فإننا لا نتعامل مع القضايا التي مرت تاريخيا بعملية نقد وفحص ومقارنات في الروايات حتى لو وصلنا لمرحلة الجدل المغاير لتقاليد المجتمع، وذلك لأن بعض الأحداث التى لم يوثق فيها إلا رواية واحدة، وللأسف عكس كل دراسات العالم التي تؤكد بأن التاريخ يكتبه المنتصر، فإننا لا نكتب تاريخنا ولا نوثقه، بل نترك كافة الروايات لغيرنا، والذين يغرقون محركات البحث بكافة المواد وأشكالها التي ستظل فقط هي الشاهد الرئيسى على تاريخ من وجهة نظر واحدة فقط.
عملية صناعة التاريخ الموازى عبر أسطرة أحداث وشخصيات بعينها ليست وليدة المرحلة، بل هو داء مصري متواصل منذ قديم الأزل، اعتمادا على قوة شخصيات بعينها في عملية التسجيل واتساقا مع فكرة تدهور الطابع النقدى عموما، لذلك نجد مظلومية الإخوان على سبيل المثال هي الأعلى صوتا في مرحلة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كما نجد رؤية اليسار المصرى هي الأعلى صوتا في مرحلة الرئيس السادات، في ظل تراجع كبير لنشر كتابات المسئولين والقيادات في تلك المرحلة أو إعادة نشر المذكرات، بل في ظل غياب الرؤية لتشجيع القائمين على أمور البلاد في توثيق ما يمرون به، وهذا أمر معمول به في كافة دول العالم، ولا يتعارض مع فكرة السرية و الأمن، بل هو ضرورة ملحة لأن الوطن يحتاج لتلك الوثائق والتوثيق قبل أن يرغب فيها العالم، لأنها تساهم في تبصير المواطنين بعد ذلك في مراحل مختلفة، مع التشديد بضرورة التجرد الكامل وذكر الوقائع بنصوصها وشخصياتها دون تحيز في الكتابة، ولذلك فإن تشجيع عملية التسجيل والتوثيق لكافة الفاعلين في المشهد يحتاج مننا الحديث في مقال آخر.