لاشك أن تغير المناخ طال كل الدول، المتقدمة قبل النامية، ولعل ما نشهده خلال هذه الفترة من ارتفاع كبير في درجات الحرارة بالمملكة المتحدة، أكبر دليل على تأثير هذه التغيرات المناخية على الدول الصناعية الكبرى، والتى هي في الأساس السبب الرئيسي فى توحش تغيرات المناخ، والتي خيمت بشباكها القاتلة على الجميع، وكأنها أتت لتنتقم من البشر وكل الكائنات الحية.
لا وقت للتفكير في عقد جلسات واهية وإطلاق تصريحات رنانة لا جدوى منها في النهاية، كونها لا تستقر إلا على أوراق تدخل ملفات ثم لا ترى النور مجددا، فنحن بصدد فرصة ذهبية لمواجهة التغيرات المناخية باتخاذ خطوات جادة وفعالة لحماية الكوكب، وذلك بمؤتمر المناخ المزمع عقده في نوفمبر المقبل بمدينة شرم الشيخ، والذي يتيح أهم الفرص للنظر في آثار تغير المناخ في قارة أفريقيا تحديدا، على اعتبار أنها الأكثر تضررا في العالم من تغير المناخ.
بالطبع قطعت مصر خطوات كبيرة لإنجاح الدورة 27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ عام 2022، لتقدم المحادثات العالمية بشأن مواجهة التغيرات المناخية، منذ أن تم اختيارها لاستضافة الدورة الجديدة خلال مؤتمر جلاسكو والذي عُقد في نوفمبر 2021، وقد يكون أهم ما يميز هذه الدورة، هو ضرورة التحرك للقضاء على التناقضات العميقة وتغيير الإرادة السياسية الجماعية للبدء في اتخاذ خطوات جادة حيال القضية الأكثر تعقدا على الإطلاق.
اعتراف وتحذيرات الأمم المتحدة من ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية خلال السنوات القليلة المقبلة من جراء الأنشطة البشرية، قد يكون المفتاح السحري، للتحرك نحو حماية العالم من التغيرات المناخية، لاسيما وأن الاستنفار لمواجهة تغير المناخ يحمي البشرية من الانقراض، فإعلان حالة الطوارئ العالمية ضد الحقبة الصناعية وثوراتها، يسرع وتيرة العمل في هذا العقد الحرج، للتقليل من الانبعاثات الكربونية للوصول إلى صافي صفري منها على مدى السنوات المقبلة.
فشل خطط مواجهة تغير المناخ يصاحبه فشلا ذريعا في الوصول إلى حياة هادئة مستقبلا، فوضع خطط عمل وطنية وقوية عالميا ضد القضية، يلبي طموحات الشعوب للعيش في سلام دون التخوف من الطبيعة والانقراض، فالابتعاد عن الوقود الأحفوري والاتجاه إلى الطاقة النظيفة من أهو العوامل التي تواجه التحركات الرئيسية للاحترار العالمي، لاسيما وأن الاعتماد على التقنيات الخضراء يخفف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الأكثر خطورة على الأرض.
خطوات واسعة تستهدفها قمة شرم الشيخ المقبلة COP 27، لكن ترتكز أهمها في تحقيق التمويل المتعلق بالمناخ، ووفاء الدول المتقدمة بتنفيذ وعودها الكاملة في تقديم 100 مليار دولار سنويا للبلدان النامية، للتكيف مع آثار التغيرات المناخية وبناء القدرة على الصمود، كونها الأقل تصديرا للانبعاثات القاتلة، والأكثر تضررا من الثورات الصناعية للدول المتقدمة.
كما يعد التركيز على الخسائر والأضرار وحصرها في مؤتمر شرم الشيخ، من أهم الخطوات التي يمكن العمل عليها لبناء قواعد صلبة تواجه قطعيا تغيرات المناخ، وتحمي الدول الفقيرة من تداعياتها الخطيرة، وتقضي على مخاوف السيناريوهات القاتمة والأزمات الاقتصادية وحدوث المجاعات، حيث إنه ووفقا للدراسات يؤثر الارتفاع والانخفاض في درجات الحرارة وانحسار توافر المياه وحدوث الجفاف والفيضانات، وغيرها، على إنتاجية للمحاصيل الزراعية، وزيادة الآفات وأمراض النبات، مما يهدد الأمن الغذائي العالمي ويعرضه لانتكاسة كبرى.
التحرك العاجل في دعم قضايا المناخ، والذي تنادي به مصر مرارا وتكرارا في كل المحافل الدولية، بات ضرورة ملحة وأمر غير قابل للتجاهل في الفترة المقبلة، فالتحرك الجماعي نحو خفض الانبعاثات الخطرة والمحركة لتغير المناخ والعمل على التكيف مع آثاره السلبية، يحمي الإنسان ونشاطه الاقتصادي وأمنه الغذائي والمائي، ويساعده في الوصول إلى أهدافه المشروعة ويقضي على الفقر، فيجب الإدراك بأن الوقت قد حان للانتقال الفوري وأنه لا وقت للتفاوض ومناقشة أطر التحرك، وأن التنفيذ الفعلي على أرض الواقع من قلب مصر هو الحل.