ونحن نحتفل بذكرى ثورة 23 يوليو 1952 المجيدة، فإن الحديث عن المكتسبات يطول، نظرا لكثرة الإنجازات والنجاحات، لكن فى اعتقادى، أن أهم ما يجب معرفته عن الثورة فى ظل عصر الحداثة، وتغيير كثير من المفاهيم بفعل السياسة الخفية للنظام العالمى وعلى رأسه الولايات المتحدة الكاره لهذه الثورة، أن يعلم الجيل الحالى دون تشكيك، أن ثورة يوليو نجحت نجاحا كبيرا فى تحقيق مبادئها الستة، وأهم هذه المبادئ، القضاء على الاستعمار الإنجليزى، لأنه لولا الثورة ما تم الجلاء عن مصر، لأنها هى من أجبرت المفاوض الانجليزي عليه بفعل قوة الجيش، خلاف المفاوضات التى أجرتها الحكومات فى عهد الملكية المنطلقة من موقف أخلاقي لا أكثر، وبالتالي لم تنجح هذه المفاوضات منذ 1923، حتى أتت ثورة 23 يوليو 1952 المنطلقة من موقف القوة لأن المفاوض هو الجيش كما ذكرنا، فتحقق الجلاء وانتهى الاستعمار.
ثم يأتى النجاح الخاص بمبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك من من خلال تبنيها عدة إصلاحات وتشريع عدة قوانين، أهمها قانون الإصلاح الزراعى الذى أنقذ الفلاح المصرى، وقوانين قادت أبناء الطبقة المتوسطة إلى مستقبل مشرق ، وكذلك نجاحها بشأن مبدأ بناء جيش قوى، الذى أصبح درعا حاميا لمصر حتى الآن، وسجل بطولات عظيمة أصبحت تدرس فى المدارس والكليات العسكرية حول العالم، بل أصبح عونا للأشقاء العرب فى تحريرهم من الاستعمار ودعمهم فى الاستقلال، بدءا من الجزائر وتونس وليبيا، واليمن، وصولا لدعم الخليج حتى خروج الإنجليز والفرنسيين من الأراضى العربية بأكملها، وليس فقط العرب، إنما امتدت أيادى الثورة البيضاء لدعم كثير من الدول الأفريقية، لتكون نموذجا ملهما لكل من يعانى فى العالم.
ورغم الجدل بشأن مبدأ الديمقراطية، فإن الحقيقة المجردة تؤكد نجاح ثورة 23 يوليو فى تحقيق هذا المبدأ لكن بمعناه السليم، وليس بالمعنى المزيف والمضلل والمطاط، الذين يريدون تصديره لنا، فهل ينكر أحد أن العدالة الاجتماعية تحققت فى عهد ناصر، ودخول 50% من الفلاحين والعمال للبرلمان، ومشاركة جميع الفئات فى الحياة السياسية، وهل ينكر أحد مراعاة ثورة 23 يوليو لحقوق الإنسان فى التعليم والصحة، فمجانية التعليم ليصبح كالماء والهواء فى مصر خير دليل، وهل ينكر أحد النهضة الزراعية والصناعية والتنموية فى ربوع المحروسة، والسد العالى خير نموذج لهذه التنمية المستدامة.
ومن زاوية أخرى ، هل ينكر أحد أن الأمريكان والإنجليز كرهوا عبد الناصر، لترفع الولايات المتحدة شعارا بعد وفاته، لا ناصر جديد فى العالم، بل سخروا كافة الإمكانيات والوسائل، لتحقيق هذا الشعار على الأرض، وذلك بهدف القضاء على العروبة والقومية، الذى فرضتها ثورة 23 يوليو، لدرجة أنهم شنقوا وقتلوا من أجل تحقيق هذا الشعار ، وسيناريو صدام والقذافي ليس ببعيد، بل انتهجوا سياسات خفية وتوظيف لعبة خلط الأوراق، وازدواجية المعايير، لاستبدال مصطلحات العروبة والقومية بالشرق الأوسط، ثم الشرق الأوسط الجديد، لأن شبح ناصر يراودهم، خلاف أسباب عدة على رأسها التخلص من أفكار العروبة والوحدة والقومية التى أحياها ناصر وثورة 23 يوليو، ولأن مصطلح كالشرق الأوسط يسمح بدخول دولة الكيان الإسرائيلي فى المنطقة، وللأسف يقع الكثير من وسائل الإعلام والرموز فى الفخ، فنردد ونستخدم هذا المصطلح متناسين مصطلحات العروبة، وكأننا نريد خدمتهم فى تحقيق هدفهم.
وختاما.. الحديث عن ثورة 23 يوليو كبير، كما قلنا فى بداية المقال، وبالفعل يستحق سلسلة مقالات، نظرا لكثرة المكتسبات وعظمة الانجازات، لكننا أردنا فقط تسليط الضوء على عدة نقاط مضيئة فى ذكرى ثورة عظيمة وملهمة.. حفظ الله مصر وشعبها وجيشها..