مع إعلان وزارة التربية والتعليم خريطة العام الدراسي الجديد، في 24 سبتمبر المقبل، أصابتني إضرابات المعدة، وبدأ القولون العصبي يمارس أدواره الدرامية المعهودة، خاصة بعدما تذكرت "المصروفات"، وما تمارسه معنا المدارس الخاصة من زيادات غير مبررة في أسعار خدماتها، مستغلة فكرة ارتفاع معدلات التضخم محلياً وعالمياً، لتبدأ تحميلنا الفاتورة كاملة، في ظل غياب رقابة واضح على النشاط المالي والإداري لهذه المدارس، التي تجني أرباح ضخمة في مقابل الخدمة التعليمية التي تقدمها.
على المستوى الشخصي بدأت التعامل مع المدارس الخاصة منذ حوالي 6 سنوات، وخلال هذه الأعوام تضاعف الرقم الإجمالي الذي كنت أدفعه سنوياً، بما يعنى أن معدل الزيادات السنوية كان في مستوى يقترب من الـ 17%، وهذا رقم كبير لا يمكن أن يتحمله ولي الأمر سنوياً، ويجب أن يخضع لضوابط وحسابات من جانب المسئولين في التعليم، وكذلك أصحاب المدارس الخاصة، والجمعية المسئولة عنهم، وإذا استمرت الأوضاع على هذا النحو ستكون النتيجة النهائية اتجاه عدد كبير من أولياء الأمور لقرار تحويل أبنائهم من تلك المدارس إلى الأميرية الحكومية، خاصة بعد تزايد أعباء المعيشة وارتفاع تكلفتها.
المدارس الخاصة تشكل حوالي 20% من إجمالي أعداد المدارس في مصر، وهناك نحو 10 آلاف مدرسة تقريباً، تتفاوت أسعارها والخدمات التي تقدمها وفقاً للعديد من المعايير، أهمها التاريخ التعليمي، وهيئة التدريس الموجودة، ومستوى الانضباط والسمعة التي كونتها على مدار سنوات عملها، بالإضافة إلى مستوى الطلبة الموجودين والخريجين، وموقعها داخل الكتلة السكنية أو بالمدن الجديدة، خاصة أن المدارس البعيدة نسبياً عن الحيز العمراني تكلفتها دائماً أعلى ارتباطاً بخدمة "الباص"، التي تصبح في هذه الحالة إجبارية، ويجب على الجميع الاشتراك فيها.
مشكلة أولياء الأمور مع وزارة التربية والتعليم في قضية المدارس الخاصة أن الوزارة ترى هذا النوع من التعليم رفاهية، ومن يرغب في تعليم أبنائه بها عليه أن يدفع دون أن يشتكي أو يتململ، لذلك تجد العجب في عمليات التسعير السنوية للمصروفات دون توجيه، بل أحياناً تصدر وزارة التعليم كتاباً دورياً للمصروفات بعد بداية العام الدراسي، فى حين أن أغلب أولياء الأمور قد دفعوا كامل المبالغ المستحقة، وهذا بطبيعة الحال أمر يدعو للتساؤل حول رؤية الوزارة لهذه الكيانات، لذلك يجب أن تثبت الوزارة حسن نيتها تجاه أولياء الأمور الذين يرغبون فقط في مستوى تعليمي أفضل لأولادهم، وتعليم بمستوى جودة متوسطة دون تكدس أو زحام، مع ممارسة دورها الرقابي الفعال على المدارس الخاصة بصورة تضمن مستوى تعليمي أفضل بمصروفات معقولة.
لو استمرت المدارس الخاصة في رفع أسعار مصروفاتها بالصورة المعتادة والنسب والمعدلات التي نراها ونسمعها خلال هذه الفترة سوف يؤثر هذا الاتجاه على طبيعة عمل هذه المدارس في الفترة المقبلة، فالموضوع ليس أكثر من عرض وطلب، وولي الأمر الذي كان دخله الشهري 10 آلاف جنيه منذ عدة سنوات، لم يعد قادراً على توفير المبالغ التي كان يدخرها من قبل لمصروفات المدارس ونفقاتها، نظراً لظروف التضخم العالمية، وارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات، فلن يستطع بطبيعة الحال تحمل الزيادات الجامحة التي بدأت المدارس التجهيز لها حالياً، ومخاطبة أولياء الأمور بها، لذلك على وزارة التربية والتعليم، والمدارس الخاصة، الرأفة بأولياء الأمور والأسر المصرية المتوسطة وتجعل هامش الزيادات السنوية في أسعار مصروفاتها مقبول وممكن وفي المتناول.