تظل الهجرة النبوية حدثا تاريخيا فريدا، وبداية لعهد جديد، وتأسيس مدينة فاضلة، قائمة على المحبة والتسامح والتراحم وقبول الآخر.
قرر النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة من مكة إلى المدينة المنورة "يثرب"، بعدما تعرض للأذى برفقة أصحابه، خاصة بعد وفاة أبي طالب، فجاءت الهجرة النبوية المشرفة، في عام 14 للبعثة، الموافق 622م، ليتم اتخاذ الهجرة النبوية بداية للتقويم الهجري، بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب بعد استشارته بقية الصحابة في زمن خلافته، واستمرت هجرة من يدخل في الإسلام إلى المدينة المنورة، حيث كانت الهجرة إلى المدينة واجبة على المسلمين، ونزلت الكثير من الآيات تحث المسلمين على الهجرة، حتى فتح مكة عام 8 هـ.
وفي حقيقة الأمر، فإن الهجرة النبوية لم تكن حدثا تاريخيا فقط، ولكن حملت العديد من الدروس والعبر، لعل أبرزها الفرار بالحق، والانتصار له، والصبر والتحمل في بداية كل شيء، فقد تحمل النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يتحمله بشر.
"الثقة في الله"، و"اليقين بالنجاح" من أهم الدروس في الهجرة النبوية، فدعني أضع بين يدك هذا المشهد الرائع من مشاهد الهجرة، وهو ما رواه أنس بن مالك: أن أبا بكر الصديق حدثه قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله؛ لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: يا أبا بكر؛ ما ظنك باثنين الله ثالثهما.
"التسامح والرحمة والود"، دروسا أيضا لم تغيب عن هجرة النبي، فقد تعرض صلوات الله وسلامه عليه لأذى وبطش بعض المشركين، وهاجر وتكبد المصاعب، ومرت الأيام، ومكنه الله في الأرض، حتى جاء فتح مكة الأشهر، ودخلها وهو منتصرًا، فجرى نحوه من سبق وخططوا لإيذائه وتعرضوا له، مطالبين العفو والصفح، لتأتي عبارات النبي التاريخية، "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، في واحدة من أهم دروس التسامح، والترفع والسمو.
ونحن بصدد الاحتفال بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، لا بد أن نتخلق بأخلاقه، نتحلى بصبره عندما تعرض لأذى المشركين، ونقاوم حتى آخر نفس، ونهاجر بمبادئنا وقيمنا من موقع لآخر بحثا عن العدل والأمان، ونسامح ونعفو عندما ننتصر ونصبح في موضع قوة، فهكذا أخلاق الكبار.