نحتفل بالعام الهجرى الجديد، وهو حدث مهم وعظيم وحافل بالعبر، لكننا نحتفل فقط، لا نتنبه لما يعنيه ذلك من مرور الزمن وتوالى الأيام، وهى الهدف الأجل والمعنى الأصيل لهذا الاحتفال، إننا فقط نعجب بذكرى الهجرة، وبدء الدولة الإسلامية، وانتشار الدين، لكن لا نسأل أنفسنا أبدا: كيف توالت كل هذه السنوات منذ الهجرة ولم نتعلم الدرس جيدا؟.
نعم، إن الأمة الإسلامية ليست فى أفضل حالاتها، ولو قمنا بمقارنة بسيطة بعصرها الذهبي، سنجد الفارق شاسعا، وأنا لا أقصد بالعصر الذهبى الفتوحات والتوسعات، بل أقصد عصر العلم، حينما كنا ضوءا ينير العالم ويستضيء به الجميع، عندما كانت المدارس والمكتبات تدفع الناس للتفكير والتأمل.
ولعل الدرس الأبرز من الهجرة النبوية يتمثل فى عدم اليأس، ففي سنة الهجرة لم يكن النبى الكريم، عليه الصلاة والسلام، وصحبه يملكون سوى الإيمان فى قلوبهم، كانوا يؤمنون بربهم، ويؤمنون بأنفسهم، لكن على المستوى المادى والعاطفى لم يكن الحال جيدا، فالنبى عليه السلام، فقد زوجته خديجة بن خويلد وعمه أبا طالب، وصار عرضة لكفار قريش وسفهائهم، لكن الله سبحانه وتعالى فتح له بابا من الأمل تمثل فى أهل يثرب الذين فتحوا له قلوبهم وبيوتهم، وأناروا للمسلمين طريقا للبدء بقوة.
سنوات قليلة بعد الهجرة وأصبح أهل المدينة أسياد البلاد، لأنهم يملكون الإيمان والعلم، ثم سنوات بعدها وانتشرت الدعوة خارج إطار الجزيرة العربية، وأصبحت حضارة عظيمة تملك مقومات التأثير فى كل من يقترب منها.
وبينما كان العالم يعانى ظلمة وتراجعا كانت الحضارة الإسلامية تمد لهم أسباب التقدم، وتأخذ بأيدى من يشاء إلى رحابة التفكير المنطقي، وتعمل على نظافة البدن وتقوية العقل.
لكن كل ذلك راح يتراجع، لأسباب عدة لا يمكن حصرها، لكن أهمها أننا فقدنا إيماننا بأنفسنا، وتخلينا عن أملنا، وصرنا عرضة لليأس، نستسلم للظروف كبيرها وصغيرها، لا نغير ما بأنفسنا، ولا نعدل ما أعوج في قلوبنا.
إن العام الهجري فرصة لتأمل حالنا، فالأمر ليس مجرد "تاريخ" مر ، إنه طريقة للتفكير في الأزمات التي تواجهنا، وفى الحلم لليوم والغد.