بحجة طمأنة الجمهور أصبحت حياة الكثير من الفنانين والفنانات مشاع بين الناس ، وأصبحت أخبار حياتهم الشخصية تسبق كثيرا أعمالهم وإنتاجهم ، فلا يمر أسبوع دون فضيحة جديدة ومشاكل شديدة الخصوصية بعضها حقيقي وبعضها كاذب ، ولا أعرف من الذي أقنعهم أن انتشار مثل تلك الأخبار والحكايات المؤسفة يمكن أن يزيد من شعبيتهم أو تعاطف المجتمع معهم !
منذ بدأ تاريخ الإبداع البشري في الفنون والآداب وحتى السياسة ونجوم تلك المواهب محط أنظار الناس ، بل أطلق عليهم مسمى " نجم "، وهو تشبيه رائع من المفترض أنه يعكس تلك المكانة العالية التي يتطلع إليها المعجبين والمحبين والمتلقين لهذه الإبداعات ، لهذا كان الفضول يلاحقهم دائما ، ويلاحق أخبارهم وحياتهم ، وكان الأذكياء منهم يجتهدون ليكونوا لائقين بالصورة المثالية التي رسمها لهم الجمهور في أذهانهم ، ويضعونهم موضع الاحترام والتوقير .
حتى انتشرت وسائل الاعلام الحديثة ومن بعدها مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت حياة الفنانين مشاعًا بين الناس ، لكن المؤسف أن الكثيرين منهم تسابقوا لتنتشر حياتهم الخاصة على الملأ ، وحولوا تلك الوسائل والمواقع لأسلحة تراشق مع خصومهم ، حتى توارت مواهبهم خلف مشاكلهم الشخصية التي أساءت لهم بل ولبلدهم !
فتلك تتعرض للضرب من زوجها ، والثانية نهبها زوجها وسرق أموالها ، وأخرى محبوسة ولا يعرف أحد طريقها ، وهذا يخون زوجته والآخر نكل بزوجته ، وثالث عاق بوالديه ، وأمثلة كثيرة لا حصر لها ، وبين هؤلاء وهؤلاء ينقسم الناس ويختلفوا ، وتشتعل وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج التوك شو ، وهكذا بدلا من أن يقدم الفنانون لجمهورهم ما يسعدهم ، يتحولون إلى حكايات سخيفة ورديئة تحط من قدرهم ومن قدر مهنتهم .
صحيح أن الفنان كأي إنسان يلاقي السعادة والتعاسة ، ينجح ويتعثر ، يستقر أحيانا ويواجه مشاكل أحيانا أخرى ، لكنه في النهاية نجم منحه الله هبة تميز بها غيره ليسعد من يقدرون دوره في الحياة وفي المجتمع ، وعليه من الذكاء أن يحافظ على احترام الجمهور لا أن يستدر عطفه بتلك الوسائل الرخيصة التي تنتقص من قدره أكثر مما ترفعه .
في الغالب تكون هناك أطراف أخرى تحقق مصالح من نشر مثل هذه الفضائح بل وتسفيد منها ، ولا يفطن صاحب القضية لهذا بل يأخذه شبق التعاطف الكاذب الذي يبديه أصحاب المصالح ، وهؤلاء يساعدون على إشعال الحرائق بين الأطراف حتى تكون الاستفادة مضاعفة، وعدد المشاهدين والمتابعين أكبر .
التاريخ يقول أن الفنانين أصحاب الشخصيات القوية والنفوس الواثقة هم الأكثر بقاءً ، وأن الموهبة وحدها غير كافية ، وأنها بدون ذكاء وقوة لا تستمر طويلا ، وأن كثرة المشاكل ونشر الفضائح تقتل الفنان وتقضي عليه ، ولا ترفع أبدا من شأنه ، وهذا ما يجب أن يفطن إليه هولاء الفنانين الذين أهدروا موهبتهم الحقيقية في أشياء لو فعلها أعدائهم ما كانوا أضروهم كما أضروا هم أنفسهم ، لأنهم بهذا يحكمون على أنفسهم بالنسيان والضياع ، وهذا أقسى مصير يلقاه الفنان.