فرار السوريين يشبه فرار العرب من الأندلس
لا أعرف سر العلاقة العاطفية التى تربطنى منذ زمن طويل بتاريخ دولة الأندلس التى أقيمت لأكثر من 800 سنة فى أوروبا، وبالتحديد فى إسبانيا والبرتغال، وهى الدولة التى كانت بوابة نقل الحضارة الإسلامية والعربية إلى الغرب كله، ولا أعرف لماذا دائمًا أربط بين سقوط دولة الأندلس فى الماضى، وسقوط الدول العربية فى الوقت الراهن.
وإذا كانت الأندلس قد انقسمت إلى دول ملوك الطوائف، فإن الدول العربيه انقسمت إلى دويلات أضعف فى كل شىء، وهو ما يجعلنى على ثقه بأن هناك تشابهًا كبيرًا بين ما حدث فى الأندلس، وما حدث أو سيحدث فى الدول العربية التى أصبح حالها مشابهًا لنفس سيناريو دولة الأندلس.. تشابه وصل إلى تطابق كل شىء، بداية من الحكام حتى المحكومين، كل شىء متطابق، عدد الدول هو نفس عدد ملوك الطوائف، حتى الدول التى سقطت، مثل ليبيا أو العراق أو سوريا، تتشابه عملية سقوطها مع سقوط ممالك الأندلس، فيما عرف بحروب الاسترداد، والذى وصل ذروته بسقوط مملكة غرناطة، لينتهى الوجود العربى للأبد، فهل تكون نهاية الأندلس هى نفسها نهاية الدول العربية، وما أشبه اليوم بالبارحة، حيث يتكرر مشهد هروب العرب والمسلمين من الأندلس مع الهروب الكبير للسوريين والعراقيين من بلادهم.
كان لابد من هذه المقدمة قبل أن أستعرض تاريخ دولة الأندلس التى انتهت بزوال هذه الدولة للأبد، وطرد العرب باختلاف دياناتهم من هذه الجزيرة التى ظلوا بها لأكثر من 8 قرون، ولكن قبل الكتابة عن أمجاد الأندلس كان من الضرورى أن أطرح السؤال الصعب: لماذا سقطت الأندلس؟.. هذا السؤال الذى أجابت عنه عشرات الكتب مازال هو الأبرز، وتصدى للإجابة عليه كبار المؤرخين والكتّاب، كل قدم الأسباب التى قوضت العروبة والإسلام من هذه الجزيرة، بل وإلغاء اسم الأندلس، وتحولها إلى إسبانيا، ومن أبرز وأهم من كتب فى هذه المأساة الدكتور خالد الخالدى الذى كتب العديد من الأبحاث، وحملت هذه الأبحاث عنوان «لماذا سقطت الأندلس؟».. تقول الدراسة إن الإسلام انتشر فى الأندلس بعد فتحها سنة 92هـ، وأقام المسلمون فيها دولة استمرت ثمانية قرون، وقد أصبحت هذه الدولة فى خلافة عبدالرحمن الناصر «300 -350هـ/ 912-961م» من أكثر دول العالم علمًا وتحضرًا ومدنية ورقيًا وقوة وتقدمًا، وعاش بها المسلمون فى رغد من العيش؛ حيث الأرض الخصبة، والمياه العذبة، والجنان الخضرة.
وكان أبناء الأثرياء فى أوروبا يتوجهون للدراسة فى مدارسها وجامعاتها، وعندما يعودون إلى بلدانهم يفخرون بأنهم تتلمذوا على أيدى علمائها العرب المسلمين، ويتعمدون استعمال كلمات عربية حتى يقال إنهم متعلمون مثقفون، وكان ملوك وأمراء الممالك النصرانية فى شمال إسبانيا يستنجدون بحكام الأندلس فى صراعاتهم على الحكم، فتتدخل الجيوش الإسلامية، وتغيّر واقعهم السياسى، مقابل حصون وأراضٍ يتنازل عنها من تمت مساعدته، مثلما تفعل أمريكا اليوم.
ثم ضعفت دولة المسلمين فى الأندلس، وتقلصت تدريجيًا حتى انحصرت فى مملكة غرناطة، ثم سقطت سنة 1492م، بتوقيع آخر ملوكها أبى عبدالله الصغير معاهدة استسلام مهينة مع الملكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا، ثم قضى على الوجود الإسلامى فى الأندلس نهائيًا؛ بسبب محاكم التفتيش التى كانت تحرق كل من يثبت أنه لا يزال مسلمًا، والسؤال المهم الذى ينبغى الإجابة عنه هو: لماذا سقطت الأندلس، وقضى على الوجود الإسلامى فيها بعد ذلك العز والتمكين؟
وللحديث بقية غدًا إن شاء الله