مؤكد أن عقد الزواج رباط قوي وميثاق غليظ كما وصفه تعالى "وأخذن منكم ميثاقا غليظا" إلا أنه للأسف الشديد أصبحنا الآن أمام ظاهرة آخذة في الاتساع، وهى تزايد حالات الطلاق بشكل مرعب لأسباب كثيرة، أهمها في تقديرى الاستسهال وعدم المسئولية بين الزوجين، لدرجة وصلت أن أصبح الطلاق كـ"شربة ماء"، ليصبح أمرا يمكن التحلل منه في كلمة واحدة "أنت طالق"، أو "طلقني"، وإذا كانت الأرقام لا تكذب، فبيانات جهاز التعبئة والإحصاء 2020 تؤكد أن هناك حوالى 25 حالة فى الساعة، وأكثر من 18 ألف حالة بالشهر فى دلالة مفجعة على تفشى التفكك الأسرى وانهيار وخراب البيوت.
وأعتقد أن سوء الاختيار تأتى على قائمة الأسباب، وذلك بتسرع الشاب والبحث عن المظهر الجذاب والشكل الجميل دون الالتفات للجوانب الأخرى الفكرية والنفسية والاجتماعية والدينية والعاطفية لشريكة حياته وأم أولاده مستقبلا، والتي ستقاسمه الحياة القادمة بما فيها من حلو ومر، وكذلك الفتاة فإنها تتسرع بقبول من تقدم لخطبتها دون السؤال حول دين الشاب وخلقه عماد الحياة الزوجية، فيقدم أحد الطرفين على الزواج دون معرفة الطرف الآخر في الدين والأخلاق وبقية الجوانب ويكتشفها بعد المعاشرة، وكذلك سيطرة الحياة المادية على عقول الأجيال الحالية، سواء الأزواج، أو الآباء بتطبيق عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان كالمغالاة في المهور ونفقات الزواج، مما عزز المفهوم المادى لدرجة وصلت أن هناك من يتعامل مع الزواج وكأنه مشروع تجارى، أو سلعة تباع أو تشترى، خلاف وجود السوشيال ميديا لدرجة وصلت للإدمان وأصبحت الحياة دونها شبه مستحيلة، بالإضافة إلى غياب القيم والثوابت الأخلاقية والدينية والرقابة المجتمعية لتكون النتيجة غياب الحوار والتفاهم، وتزايد العنف بين الأزواج وتدخل الأقارب.
خلاف الندية والعناد بين الزوجين، حيث غاب الاحترام بين الأزواج، وكذلك الفهم الخاطئ لمعانى المساواة والحرية والاستقلالية، إنما للأسف يتم تشكلت المفاهيم وفقا لما يُشاهد في الدراما أو السينما أو على منصات السوشيال ميديا دون فحص أو تمحيص، مع تدخل الأمهات في حياة الأزواج، سواء كانت أم الزوجة أو أم الزوج، حيث كثرت نماذج الأم دائمة الانتقاد لزوجة ابنها أمام الناس، وإظهارها فى صورة الفاشلة، وكثرت أيضا نماذج الأم التي لم تُعلم ابنتها فن التعامل مع زوجها، بل تحث ابنتها على التربص به تحت مُسميات كاذبة خادعة مثل الكرامة والمساواة، وأيضا نماذج الأم التي تتدخل في حياة ابنتها أو ابنها الخاصة.
ولا تنسى أيضا خطر السوشيال ميديا والانفتاح في التواصل دون مبادئ حاكمة، فكم من نماذج للخيانة الزوجية يقف وراؤها التعامل السيئ مع السوشيال ميديا، وكم نماذج للزوجة الأخرى والزواج العرفى كانت أيضا السوشيال ميديا سبب رئيسى لكثرتها، مما يتطلب الانتباه لهذا الخطر.
وبداية الحلول، العمل على تأسيس وعي مجتمعي قائم على أساس احترام المرأة وعدم تزويج القاصرين، والعمل على تحسين في المستوى الاقتصادى في المجتمع، وتكثيف حملات توعية للمقبلين على الزواج لتعزيز تماسك الأسرة، وتثقيفهم حول كيفية حل الخلافات الزوجية، وكل هذا يكون بتكثيف استخدام كافة الوسائل الإعلامية وتوظيف البرامج الدينية والمسلسلات الاجتماعية للحث على تماسك الأسرة، مع مراعاة الجانب التكوينى والمعرفى والتعليمى لغرس قدسية الترابط الأسري، والتفاهم والمصارحة والاستماع للآخر، والتوقف عن المكابرة والعناد، وكذلك التوقف عن المجاملات والممارسات الخاطئة أثناء الخطوبة وعادات وتقاليد الزواج الغير منطقية.
وأخيرا.. نحن بحاجة إلى وقفه جادة نحو هذه المشكلة ووضع الحلول الجذرية ومعالجة الأسباب، وكذلك الشباب بحاجة إلى التوعية حول أهمية الزواج وبأنه ميثاق يجب الالتزام به، وتوعيه النساء خاصة بعد الحملات التي تطالب بحرية المرأة وبأنها قادرة على العيش لوحدها دون زواج وأن لديها ما يكفيها من المادة للاعتماد على نفسها.