هل فعلاً الأيام المقبلة صعبة، وتحمل تبعات أشد وطأة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتحتاج استعدادات خاصة، وتصورات أكثر انضباطاً من الحكومة والمواطن على حد سواء، الحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال لا يمكن اختزالها في ثنائية " نعم أو لا "، أو الردود المتسرعة، دون التوقف عند حجم الإجراءات التي تتم، وما يخفيه المستقبل في ظل الأزمات المتصلة، والمشكلات الاقتصادية التي باتت مزمنة ومعقدة وتلقي بظلالها على العالم أجمع، لذلك أتصور أن الفترة المقبلة صعبة، لكنها قطعاً ستمر مثل غيرها، وكلما كان الوعي بها أفضل، كلما كان الخروج أسهل وأيسر وبأقل الخسائر الممكنة.
كتبت كثيراً - قبل عدة أشهر - عن ضرورة أن تتجه الحكومة لوضع خطة متكاملة للتقشف وتقليل الإنفاق، وقد بدأت الحكومة بالفعل في تنفيذ هذه الخطة بصورة جيدة، من خلال تقليل استهلاك الكهرباء وهيكلة الموازنة، ووضع حلول وسيناريوهات أكثر تشاؤماً للاستعداد لما هو قادم خلال الفترة المقبلة، وهذا إجراء ممتاز على سبيل التحوط، ويدفع نحو التقليل من الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية، لكن يبقى الدور الأهم والأكبر على المواطن.
ضبط النفقات والحفاظ على مستويات السيولة في الأسواق، هو أقرب الحلول للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، خاصة أن السيولة ستتراجع مستوياتها في الفترة المقبلة مع صعود وتيرة الركود التضخمي، وتراجع معدلات الإنتاج والاستهلاك، التي ستبدأ مع نهاية العام الجارى، وهذا يدفع نحو ضرورة الحفاظ على "الكاش" بالشكل الذي يضمن حيوية الأسواق والإبقاء على نسب البطالة عند الحدود الآمنة، بالسعي نحو خلق أكبر عدد ممكن من الوظائف والفرص.
أول خطوة على الطريق في دعم أداء المواطن لمواجهة تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية أن يتجاوز كل النصائح العشوائية التي يتم التسويق لها، وتحمل في طياتها مخاطر غير محدودة على معدلات النمو وفرص الاستثمار على المديين المتوسط والطويل، خاصة أنها تدفع مباشرة نحو الركود والتباطؤ، نتيجة اندفاع الأفراد نحو تحويل مدخراتهم إلى ثروات عقارية أو مشغولات ذهبية، وهذا كفيل أن يضرب الأسواق في مقتل، ويستنزف قوتها، ويرفع معدلات البطالة، ويزيد من خشونة الأزمة، وآثارها السلبية على المجتمع.
تحويل مدخرات الناس للمعادن والحوائط والأعمدة الخرسانية قد يحافظ على قيمة الأموال لوقت معين، لكن حال توجه الجميع للتفكير بنفس الطريقة، سيخلق ركود ممتد، وعدم القدرة على تسييل هذه الأصول مرة أخرى، خاصة في ظل انخفاض مستويات السيولة، لتصبح النتيجة إما بيع بنفس الأسعار القديمة أو بالخسارة فى أغلب الأحيان، وهنا سيتحمل المواطن تكلفة الفرصة البديلة الناتجة عن توظيف مدخراته في تجارة أو صناعة أو شهادات بنكية مرتفعة العائد، لذلك يجب التنبه خلال الفترة المقبلة لخطورة ما يتم الترويج له من نصائح غير مدروسة، فليس أخطر على الاقتصاد من الانكماش، وليس أكثر من توظيف الأموال في أصول بلا عائد سرعة في الوصول إلى سيناريو الانكماش، لذلك علينا الحذر والتحوط للأزمة الراهنة بالعمل الجاد وتقليل الاستهلاك والادخار المخطط.