الفخرانى ذهب بحدود التمثيل إلى أقصى الأبعاد
لم يكن من الصعب منذ الحلقات الأولى لمسلسل الفنان القدير «يحيى الفخرانى» اكتشاف التيمة الأساسية التى يدور حولها الملسلسل، فقد اختار المؤلف صاحب الموهبة العريضة «عبدالرحيم كمال» استلهام الصراع الأبدى بين الخير والشر فى أوضح صوره، حيث احتدام المعركة بين ألاعيب الشيطان وحيل الإنسان، وهى فى الحقيقة تيمة ليست بغريبة عن التناول الدرامى فى مصر والعالم، لكن أشهر من استخدمها هو الأديب الألمانى الأكثر شهرة «يوهان فولفوجانج فون جوته» الذى جعل هذه التيمة من أشهر ما أنتجه الأدب الألمانى عالميا، أما فى مصر فقد ظهرت أشكال درامية كثيرة من استخدام هذه التيمة قديما وحديثا من أشهرها فيلم يوسف وهبى الشهير «سفير جهنم»، وفيلم المرأة التى غلبت الشيطان الذى قامت ببطولته نعمت مختار وأخرجه يحيى العلمى، كما أسهب الشعراء فى تناول هذه الفكرة ولعل آخر استخداماتها كان فى ديوان «منهج تربوى مقترح لفاوست» للشاعر كريم الصياد الذى صدر فى العام 2009.
إذن فالتيمة الأساسية للعمل الدرامى «ونوس» ليست بجديدة، لكنها بالطبع «متجددة» فلا يخلو يوم لا يتجدد فيه هذا الصراع ويشتعل، ولا يخلو يوم دون إعلان لهزيمة «الشر» متجسدا فى الشيطان مرة، أو هزيمة الخير المتجسد فى «الإنسان» مرة أخرى، فالغواية مستمرة، والصراع محتدم، وهنا تكمن صعوبة العمل الذى استطاع بدرجة كبيرة أن ينجو من العديد من الفخاخ برغم عدم إجادة المؤلف لصياغة التحولات الدرامية التى حدثت للعديد من الشخصيات من دون أن ينقص هذا من براعة صياغته الكلية لأحداث المسلسل الذى استطاع أن يجذب الجمهور من أول دقيقة فى أول حلقة إلى آخر دقيقة فى آخر حلقة.
هنا نحن أمام عمل «صعب» يجسد «حدوتة» صعبة، لكن هذه الصعوبة لم تكن لتؤثر على عمل يقوده صاحب الموهبة الأبرع فى تاريخ الدراما المصرية «يحيى الفخرانى» الذى يثبت فى كل عمل يقوم به أن أصحاب الموهبة العظيمة يضيفون كل يوم إلى رصيدهم ولا يخصمون منه أبدا، فالفخرانى فى هذا العمل اختار أن يذهب بحدود التمثيل الدرامى إلى أقصى الأبعاد، ليتحول الشيطان على يد الفخرانى فى هذا العمل إلى ضابط إيقاع الحياة كلها وليس أداة من أدوات الغواية فحسب.
هنا نحن أمام عمل درامى ضخم، أعتقد أنه سيرسخ طويلا فى أذهان الناس، بداية من التيمة الدرامية المجردة التى استطاع عبدالرحيم كمال أن يضخ فيها الدماء المصرية وحتى إخراجها على يد الموهبة المتفجرة «شادى الفخرانى» فى أبهى صورها، ولا أبالغ إذا قلت إن شادى الفخرانى فى هذا العمل أضاف إلى قاموس إخراج الدراما التليفزيونية تكنيكات متعددة مستعيرا مرة من تقنيات السينما ومرة من تقنيات المسرح، ومرة من إبداعه الشخصى لتخرج صورة العمل النهائية لامست حدود الكمال الذى لامسه أيضا كل من نبيل الحلفاوى وهالة صدقى وحنان مطاوع ومحمد شاهين، فى أحد أجمل الأدوار التى قاموا بها فى تاريخهم.